كمال قرور: أدعو لتحالف الثقافة الإسلامية مع الثقافة الكونفوشية

قرور: أدعو لتحالف الثقافة الإسلامية مع الثقافة الكونفوشية
كامل الشيرازي

الروائي الجزائري “كمال قرور” في مقابلة خاصة بـ”إيلاف”

أكافح لأجل مشروع ثقافي جدي ينهي العدمية
أدعو لتحالف الثقافة الإسلامية مع الثقافة الكونفوشية

حاوره في الجزائر كامل الشيرازي: يكشف الروائي الجزائري الشاب “كمال قرور” تفاصيل مشروعه الثقافي الشامل لجزائر الألفية الثالثة، ويتبنى قرور في هذه المقابلة الخاصة بـ”إيلاف”، دعوة المفكر الجزائري الراحل “مالك بن نبي” لعقد تحالف بين الثقافة الإسلامية مع الثقافة الكونفوشية، ويرى صاحب رواية” الترّاس” ذلك ضرورة لتحقيق السلم العالمي. تابعوا نص المقابلة:

* طرحتم قبل فترة مشروعا ثقافيا هادفا لجزائر الألفية الثالثة، وقمتم بتوصيفه كـ”رؤية للخطاب الثقافي المتسامح”، إلى أين وصل المشروع، وهل تتوقعون تفاعل النخب والسلطات والشارع معه؟ – المشروع نشر بالصحف الجزائرية وكذا على شبكة الأنترنيت، كما أرسل إلى حوالي خمسين مثقفا جزائريا، لكنه للأسف لم يجد التجاوب من قبل الفئة التي يفترض أن تتلقفه وتتبنى بعض ما جاء فيه من أفكار وتصورات، وتجعله أرضية لفتح نقاش جاد، هناك من قال لي بالحرف الواحد من أنت حتى تقدم هذا المشروع للنقاش، هذا من اختصاص الدولة.. أنا مؤمن بهذا المشروع وسأبقى أدافع عنه وأذكّر الجميع به، لكن هذا المشروع يحتاج إلى إرادة سياسية، لأنّ المثقف عندنا أصبح يفضل أن يكون مجرورا ومطبّلا ومهرولا في مؤخرة القاطرة ولا يريد أن يكون في المقدمة للاستطلاع والاستشراف، كتبت يوما مقالا في الصحافة الجزائرية قلت فيه أنّ المثقف شريك للسلطة وليس مجرد أجير أو كلب حراسة، وطبعا جنيت الشوك.

* بشأن إشكالية إيصال الثقافة الجزائرية إلى العالمين العربي والغربي وشروط التبادل معهما، هل هناك حواجز تعترض تبادل الجزائر ثقافيا إقليميا ودوليا، ما الكيفية لإيصال الثقافة الجزائرية بتنوعها واختلافها إلى الآخر؟

– لا توجد إرادة سياسية تعمل وفق إستراتيجية محددة، في ظل تغييب المثقفين الجادين الذين يحملون الهم الثقافي، ويغارون على ثقافة وطنهم، ولا يتاجرون بالثقافة، منذ الاستقلال نعيش في حصار قاتل ونستنشق ما أسميه ثاني أكسيد كاربون الثقافة.. في غياب المجلات الثقافية والكتب العلمية نحن نجتر الكتب الصفراء التي لا تغني ولاتسمن، حن لا نملك مؤسسات ثقافية جادة ربما كانت تجربة الروائي الطاهر وطار في جمعية الجاحظية ثم تجربة الدكتور أمين الزاوي في المكتبة الوطنية، لكن التجربتان حاصرتهما قوى الرداءة والمنفعة.
بعد حوالي نصف قرن من الاستقلال مازال العالم لا يعرف عنا شيئا، سوى أننا شعب قدم مليونا ونصف من الشهداء لإفتكاك الحرية، هذا التوصيف صار مزعجا، إذا كان الأموات مازالوا يصنعون مجد جزائر الاستقلال ماذا يفعل الأحياء؟ للأسف أصبحنا في زمن الاستقلال بلدا مشهورا بتصدير العنف والإرهاب، يا للمفارقة! هناك من يعمل في الخفاء على عزل الجزائر وبترها عن محيطها الإقليمي العربي والإفريقي والعالمي، ولهذا لا يمكن للجزائر أن تقدم صورتها الثقافية المشرقة للآخرين وهي مكبلة بأوهام المتآمرين، عندما يقصى المثقفون الحقيقيون من الندوات العلمية والأسابيع الثقافية، وتعطى الفرص للمتثاقفين الرديئين وللإداريين والبوّابين ليمثلوا البلد في المناسبات الثقافية داخل وخارج الوطن، وتصبح سفاراتنا في الخارج دورا للعجزة تهدر العملة الصعبة ولاتقدم شيئا للبلاد، تلك هي الكارثة التي ما بعدها كارثة.

* الإيصال الثقافي العربي فيه من المعيارية والمحيطية، خلافا للثقافة الغربية، فبما تفسرون هذه المحيطية، هل هي صحية أم مؤشرا سلبيا على مستقبل الثقافة العربية؟

– نحن في زمن العولمة، زمن القرية الواحدة والغرفة الواحدة، الثقافة العربية التي كانت معزولة في صحرائها المترامية الرمال والكسل أصبحت مهددة في عقر دارها، ثقافتنا ذات نزعة أخلاقية وإتباعية، اليوم بعد تمازج الثقافات وتلاقحها ماذا نقدم للعالم من قيمنا؟ كان مالك بن نبي رحمه الله يدعو إلى تحالف الثقافة الاسلامية والثقافة الصينية الكونفوشية للحفاظ على السلم العالمي والمطلب مازال قائما، للأسف نحن لا نساهم في الحضارة المعاصرة إلاّ كمستهلكين ومجترين ومقلدين للموضة، ثقافة بدون إبداع وبدون تفاعل وفعالية ثقافة جامدة ومحنطة.

* ما تأثير الراهن في الجزائر بتجلياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المنظومة الإبداعية هناك؟

– كيف يتجاوب المبدع الجزائري مع الراهن؟ التجاوب سطحي وضحل، أحيانا تشعر كأنّ المبدع الجزائري أصبح لا يفهم ما يدور حوله، ودليلي على ذلك التراكم الإبداعي الذي كتب في العشرية الأخيرة، لم يكن في مستوى الأحداث الأليمة التي عرفتها الجزائر، وهذا ليس غريبا، فثورة التحرير رغم ما كتب عنها، لم تجد كاتبا يصنع من أحداثها ملحمة فنية كبيرة تستمتع بها البشرية، كذلك أحداث الحرب الأهلية بقيت كما هي وكل المحاولات باءت بالفشل، في انتظار من يحقق المفاجأة.

* بعد فوزكم بجائزة مالك حداد للرواية العام 2007، عددتم كثيرا من المآخذ والمحاذير التي انتابتها، هل ذاك متصل بأزمة تأطير ثقافي أم ضمور رؤيا؟

–   – حاولت انطلاقا من تصوري النبيل للثقافة والمثقف الفعال أن أضيف لبنة لهذه الجائزة التي أقدرها وأقدر المشرفين عليها، كونها شمعة تضيء للثقافة الجزائرية، لكن حدثت أشياء غريبة تمس بسمعة هذه الجائزة، وكان من واجبي أن أدلي بدلوي لإعطاء التصور الحقيقي لمؤسسة الجائزة سواء قبل أهل الاختلاف أم لم يقبلوا، موقفي واضح وصريح قصدت به البناء وليس الهدم كما تصور البعض، وبالمناسبة أرفع ندائي إلى الأديبة الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي إلى مراجعة موقفها الذي اتخذته في لحظة غضب، وأقول لها:”الجائزة مازالت في حاجة إلى رعايتك ومؤازرتك أيتها الأديبة المحترمة”.

* ما هي أهم مرجعياتك أو متكآتك الفكرية؟

– – أنا مدين للمفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي الذي أنقذني في ثمانينات القرن الماضي من التيه الفكري، ومدين للفكر الشرقي الهندي والصيني الذي وسع أفقي وخيالي، وهناك فلاسفة ومفكرون وأدباء ساهموا في بناء قناعاتي وأفكاري وخيالي أمثال:روسو، نيتشه،ديوي،لوك، ديستوفيسكي،الخيام، الفارابي،ابن طفيل، المعري، طاغور، بودلير، ماركيز، كازانتزاكي، وطار،واسيني، بوجدرة، الجابري، حنفي، الغيطاني وغيرهم.

* ما الذي لمستموه في الفعل الثقافي الجزائري منذ الاحتفاء بالثقافة العربية قبل سنتين؟ وهل يمكن للعواصم الثقافية أن تثير الوعي القومي عند المجتمعات؟

– يمكن لفكرة العواصم العربية أن تثير الوعي القومي عند مجتمعاتها إذا تجاوزت “البرستيج” الثقافي والمهرجانية الكرنفالية الارتجالية، المطلوب من هذه العواصم أن ترتقي إلى الهم الإنساني لترتقي بالمواطن العربي المغبون، في الجزائر كانت الثمرة طبع ألف كتاب، رغم أنّ النشر في بلاد عربية كثيرة لم يصبح مشكلة، طبعت الكتب ووضعت على رفوف المكتبات، ولكن من يقرأ هذه الكتب؟ الله أعلم.

* ماذا حول الإصدارات التي تشهدها الجزائر دوريا، وهل استطاعت أن تصنع قارئا جزائريا، وترسم أفقا ثقافيا؟

– القراءة في الجزائر تواجهها مشاكل كبيرة، القارئ الجزائري مُجبر وليس مخيرا، معظم المكتبات أصبحت تروج لتيار معين من خلال عرض كتب ذات توجه واحد كما تعرض على نفس الرفوف السواك وعسل النحل والزنجبيل وكل الأعشاب التي لها علاقة بالرغبة الجنسية، لست أدري ما نوع السجل التجاري الذي تمتلكه هذه المكتبات المشبوهة في غياب الرقابة وتواطؤ مصالح وزارة التجارة؟ الكتاب الأدبي والثقافي والعلمي مُحاصر ولا يجد من يحفل به، ولذلك يصبح مشكل التوزيع من واجبات الدولة لإيصال المادة الثقافية الجادة إلى مستهلكها الحقيقي، وحتى لا أكون سوداويا أشيد بمبادرة وزارة الثقافة في دعم دور النشر وخاصة الصغيرة منها لنشر الكتاب الأدبي والثقافي، ويمكن للتجربة أن تنجح مستقبلا وتصنع القارئ المطلوب المتفتح على المعارف والثقافات، وحتى لا أكون مجحفا، أشيد بتجربة رابطة كتّاب الاختلاف في مجال النشر المشترك مع الدار العربية للعلوم وذلك بمساهمتها في طبع الكتاب الثقافي والفكري التنويري وهي تجربة رائدة نتمنى لها التوفيق والاستمرارية.

أما المسألة الثقافية، فهي أعم من قراءة الكتاب الجاد وإن كان هذا جزء منها، المسألة الثقافية تشمل المسرح والسينما والفنون التشكيلية والأدب وبقية العلوم الإنسانية، وهي في حاجة الى مشروع ثقافي جاد يناقشه المثقفون بالتعاون مع وزارة الثقافة وتتبناه جهة ثقافية مثل اتحاد الكتاب إذا أراد المساهمة في الحياة الثقافية بجد للاحتفاء بالثقافة والمثقف والتخلص من ثقافة المؤامرات والصراعات.

* ما المسافة الفاصلة الآن بين الثقافة والشارع الجزائري، ما الذي يمكن للقصيدة أن تقوله، وما الذي يمكن للرواية أن تقوله؟ وهل هناك عودة أكيدة للشعر أم هناك تبني مطلق ونهائي للرواية؟

– المسافة تتسع بين الشارع والثقافة في ظروف اجتماعية واقتصادية متدهورة، إنه الانحدار نحو الهاوية، هناك سياسة التجهيل والتتفيه والتواكل واللامسؤولية واللاوعي، في غياب المسارح وقاعات السينما والندوات الجادة والبرامج التلفزيونية التثقيفية وقاعات المطالعة المحترمة والمكتبات الجادة، هناك الكرنفالات والتطبيل والتزمير، كل الفنون قادرة على التعبير إذا وجد الفنان الحقيقي، لكن حين يقتحم الدخلاء الدجالون المجال الثقافي ويحاربون الفنانين الحقيقيين هنا تكمن الكارثة، هناك شعراء لا يحصون والقصيدة غائبة، وهناك روائيون والرواية قليلة، وهناك مسرحيون والمسرح يحتضر، وهناك سينمائيون والسينما في خبر كان.. وهكذا دواليك.

* بماذا تقاربون القضايا ذات الصلة بالقومية الثقافية العربية، وهل ترون في معالجة التراث الثقافي العربي، كيفية ناجعة للمحافظة عليه من التهويد والزوال من تأثير العولمة؟

– لا يوجد بديل لقومية “روتانا” وأخواتها في السماء العربية الغائبة بحروب داحس والغبراء وصراع الزعامات على الخلود في الحكم وتوريث الأبناء في غياب ثقافة الديمقراطية والمواطنة، واعتبار الشعب مجرد قطيع لا يستحق إلاّ العصا والسجون، وزراء الثقافة العرب مفعول بهم ولا وزن لهم مثل وزراء الداخلية ووزراء الدفاع، إذا كانت وزارات الدفاع العربية تلتهم الميزانيات الضخمة لشراء أسلحة منتهية الصلاحية أو فاسدة للتباهي في الاستعراضات الوهمية، فإنّ وزارات الثقافة المسكينة هي وزارات سيادة في العصر الجديد إنها وزارات الهجوم الثقافي بالمعنى الايجابي، أو الوجود الثقافي بمعنى أقل عنفا، واذا كان حالها على ما هي عليه فالأحسن أن تشطب من قاموس الحكام أفضل من إلحاقها بالسياحة والاتصال والبيئة والـ..

* ما موقفك من السياسة الثقافية المنتهجة في الجزائر؟

– لا توجد سياسة ثقافية واضحة المعالم في الجزائر، كل ما هنالك محاولات واجتهادات من طرف أشخاص، السياسة الثقافية برنامج مسطر يشمل كل الفضاء الثقافي له أبعاده الجمالية والأخلاقية وله نتائجه القريبة والمتوسطة والبعيدة، ولهذا لا يتعدى الاجتهاد الجزائري الارتجال، وأنا من المطالبين بإيجاد سياسة ثقافية واضحة المعالم في المشروع الثقافي الذي أدافع عنه، لأنّّ هذه السياسة الثقافية هي التي تبني الانسان المواطن الذي نحتاجه اليوم وغدا لتطوير وانجاز اقتصاد المعرفة، نحن لسنا في حاجة الى مناضلين اليوم، أو قطيع من التبّع، نحن في حاجة إلى مواطنين يأخذون حقوقهم بكرامة ويؤدون واجباتهم بتفان وإخلاص، نحن في حاجة إلى خبرات في مجالات جديدة هي بنت عصرنا.
في زمن الحزب الواحد بالجزائر، نوقشت السياسة الثقافية في تلك الفترة وانخرط المثقفون في بلورتها لكن أحداث أكتوبر 1988، رمت كل شيء إلى مزبلة التاريخ، منذ ذلك ونحن نخبط خبط عشواء، ليوم نحن في حاجة الى سياسة ثقافية ترسم بعناية لمواطن فعال يعيش واقع وهموم وأحلام الألفية الثالثة.

* كيف تقارب مسألة الهوية في الجزائر التي لا تزال مثار جدل؟

– الشعب الذي لا يحدد هويته، ولا يعرف من هو، طبعا سيضيع في هذا الزمن، ولن يستطيع أن يشارك في بناء الحضارة المعاصرة لأنه مثل الريشة في مهب الريح، مشغول بأناه وبوجوده، ولم يعانق الأفكار.

* هناك رأي قائل بأن الثقافة العربية منكفئة على ذاتها، ما جعلها تفوتت فرصة االتموقع عالميا، هل الفرصة المتاحة حاليا للاستدراك؟

– نحن خارج التاريخ يا صديقي، منذ سقوط الأندلس ونحن نتدحرج، أما نهضتنا المزعومة فهي من صنع الغرب نحن منومون مغناطيسيا والغرب يتحكم في حركاتنا وضحكاتنا وحزننا ومعاركنا للأسف وهذا ما أسميه “تاريخنا الافتراضي” وهو مبني على رد الفعل وليس الفعل الحر الايجابي، ثقافتنا رفضت الفكر التنويري للفيلسوف ابن رشد وأحرقت كتبه ونكلت بعقل عربي كبير وفضلت فكر الكرامات والخوارق والمرابطين والمتصوفة، وها نحن نجني اليوم الثمار المرة في صراع الطوائف والفرق، نحن متشبعون بثقافة الأتباع والعنعنة ولا نستطيع الاجتهاد والإبداع والتحليل والتركيب، نحن سجناء ماضينا ولا نفهم واقعنا وبالتالي لا نعرف مستقبلنا، محكوم علينا بالزوال والاندثار إذا لم نتدارك الامر بانتهاء آخر قطرة نفط، سندفن في الرمال ولن يسمع بموتنا أحد.

* أي ثمن تدفعه الكلمة العربية.. الحركات المتطرفة، أم الأنظمة المستبدة؟ – نحن سجناء اليوم ومرهونون، نعاني بين مطرقة الإرهاب وسندان الأنظمة القمعية المتوارثة للبطش والتجهيل والفساد والبؤس، والحركات المتطرفة التي صنعتها المخابر الغربية أطالت عمر الأنظمة الاستبدادية، وهاهي تؤدي في كل مرحلة دورها بامتياز، هدمت المشروع التنموي، وهدمت الانسان والعمران في البلاد العربية، لم يبق للكلمة العربية سوى البكاء على الأطلال مثلما كان يفعل الأسلاف في الجاهلية.

* ما موقفك من القضايا المحيطة بالثقافة العربية، طالما إنّ الثقافة العربية مرتبطة باللغة فلا ثقافة دون لغة، كيف السبيل أن نرقي لغتنا لأنها مفتاح ترقية ثقافتنا؟

– اللغة التي لا تستوعب عصرها محكوم عليها بالفناء، اللغة العربية تنهار اليوم أمام اللهجات، الأفلام الهابطة والأغاني الساقطة والأدب المنحط، هناك جهود أكاديمية لكنها لا تخرج إلى الناس تبقى حبيسة الادراج والمدرجات والحلقات الضيقة لأصحاب الاختصاص، ليست لدينا قواميس جديدة تستوعب روح العصر، والترجمة تغني اللغة، والأمة العربية من محيطها إلى خليجها لا تترجم ما تترجمه ايطاليا أو اسبانيا أو البرتغال، نحن نستعمل اليوم منتجات الحضارة ولا نعرف كيف نسميها وهذا خطر كبير، وهذا من سمات الشعوب التي تعيش خارج التاريخ والحضارة، والحقيقة أنّ اللغة إذا لم يطورها ويرقيها الشعراء والكتاب والمفكرون والصحفيون تموت.

* ترقية اللغة العربية بفرنسا بين مشاريع ساركوزي، حماية اللغة العربية وترقيتها؟، أم استيعابها بعقل غربي؟

– فرنسا تعمل على استيعاب الجالية الجزائرية والمسلمة لتتأقلم مع علمانيتها، ومثلما تعمل على احتواء الإسلام، تعمل على احتواء اللغة المعبّرة عن هذا الدين، من حقها أن تعمل ما تراه يخدم مصالحها، لكن العيب فينا لأننا قصرنا في حق جاليتنا ولا نسأل عنها إلاّ في المواعيد الانتخابية.

* ما هي خططك القادمة وهل تنوي الكتابة للمسرح والتليفزيون والإذاعة، وهل لنا بمعرفة مولودكم الأدبي المقبل؟

– إذا كنت ديمقراطيا ومتسامحا، رجاء لا أريد الاجابة، وأعدكم برواية “سيد الخراب” التي أريدها متجاوزة لرواية “التراس” التي فازت بجائزة مالك حداد وأنوي نشرها في دار الآداب او الدار العربية للعلوم.

الصحفي كمال قرور لاسبوعية المحقق

  • قلت لمحمد الصّالح يحياوي: أنت لا تملك الشجاعة الأدبيةlei263
  • أخشى أن تتراجع لجنة مالك حدّاد عن منحي الجائزةَ!
  • من قال إن كمال قرور كاتب روائي؟، هكذا تساءل عدد غير قليل ممّن يعرفونه مغامرا إعلاميا فقط ، ومن قال إنه إعلامي له تجاربُ تمتزج فيها روح الجرأة بروح التحدّي؟، هكذا تساءل أيضا بعض من علم بذلك بعد حصوله على جائزة مالك حداد للرواية في طبعتها لعام 2008 ، وأمام هذه “اللخبطة” التي تكتنف حياته الأدبية والإعلامية، ارتأيت أن أقف معه في هذا الحوار الصّريح، عند أهمّ مفاصل تجربته في عالم الصحافة، التي كأنها أخذت تسمية “مهنة المتاعب” من  حجم معاناته وخيباته فيها.
  • قبل جائزة مالك حدّاد، كان الكثيرون يرون فيك إعلاميا فقط، وبعدها بات الكثيرون يرون فيك كاتبا فقط، كيف تتعامل مع هذا التوزّع؟
  •  
  • كنت أهتمّ بالأدب، خاصّة القصّة القصيرة منذ الثمانينيات، ولأنني لم أجدْ في كلّ ما كتبت نضجا كبيرا، فقد أحرقته كلّه، ودخلت عالم الصّحافة بدون رصيد أدبي.
  • ومتى عدت للكتابة الأدبية إذن؟
  • في الـ 2002 ، حيث صرت أكتب باستمرار، دون أن أحصيَ أو أعرف طبيعة ما أكتب.
  • بمعنى أنك لا تملك مشروعا إبداعيا واضح المعالم؟ 
  • بل قل إنني كنت مشتتا بين التوجّه الفكري في الكتابة، والتوجّه الأدبي.
  • فانتصرتَ للتوجّه الثاني؟ 
  • في بداية العودة ركّزت على التوجّه الفكري، فكتبتُ “الكتاب الأزرق/ الدّولة الرّاعية والمواطن الفعّال”، ومجموعة من المقالات نشرتها في الخير والشروق.
  • ماذا تعني بالكتاب الأزرق؟
  • طرحت فيه فكرت التعاقد بين الحاكم والمحكوم، التي جاء بها هوبز وروسو، إسقاطا على الواقع الجزائري، والزرقة التي حملها العنوان، إحالة على لون السّماء، كفضاء وسيع غير مملوك من طرف الأقلية، عكس الأرض التي رُهنتْ وتفرّق ترابها في الزمَر، وإذا راعينا فلسفة الألوان، فإننا نجد الأزرق لونا يتميز بالمنطقية والعقلانية والنشاط وقلة الثرثرة، وهي القيم التي علينا أن نتحلّى بها في استعادة الأرض، بعدها عادت إليَّ الرغبة في الكتابة الأدبية، فكتبت روايتي “الترّاس” الحائزة على جائزة مالك حداد، ومجموعة قصصية عنوانها “رجل لا يجيء”، وأخرى بعنوان ” الشعوب التعيسة في الجمهوريات البئيسة”.
  • ألا ترى أنّ هذا العنوان الأخير كلاسيكيٌّ ومقرف؟
  • تماما…، لكنني راهنتُ على هذا، لأن المجموعة كانت محاولة مني لكتابة القرف، الذي بات مواطنا جزائريا بامتياز.
  • دع الأديب فيك يمارس قرفَه الشهيَّ جانبا، وعرّجْ بنا على “دودة” الإعلام، متى ظهرت للوجود؟
  • ما بين سنتي 1986 و1987 ، حيث كنت طالبا بجامعة قسنطينة، طبعا مع إرهاصات سابقة في الثانوية، فباشرت جملة من الحوارات في يومية “النصر” التي كانت حينا عنوانا كبيرا.
  • من حاورتَ؟
  • مثلا الناقد المسرحي الدكتور رشيد بوشعير، وهنا أشير إلى أنّ بعضها كان يُنشر في الصّفحة الأخيرة على أهمّيتها، مع مجموعة من المقالات الثقافية.
  • مثلا
  • مثل مقال كان ردّا على الشاعر الظاهرة عبد الله بوخالفة رحمه الله، ناقشت فيه دعوتَه للشعراء الجزائريين إلى توظيف الفلسفة في نصوصهم، وأصارحك بأنني اكتشفت بعد سنوات كوني لم أكن منتبها لعمق الفتى، كان انتحاره خسارة للمشهد الأدبي الجزائري، ولا أقول للشعر فقط، وإنما للرّواية أيضا، إذ كثيرا ما فاتحني برغبته في كتابة الرّواية.
  • هل كنت موظّفا في “النصر”، أم مجردَ متعاون؟
  • بل كنت متعاونا فقط، وحين فُتح المجال للتوظيف في ماي 1989 ، لم يوظفوني رغم أنهم وعدوني بذلك، فصدمت وفكرت في الالتحاق بالخدمة العسكرية، لكنني أجلت الأمر.
  • هل أدّيت الخدمة العسكرية بعدها؟
  • راهنت على التأجيل حتى أكرموني بالإعفاء عام 2000 ، حين بلغت من العمر أربعا وثلاثين سنة، ولا تندهش إذا قلت لك إنني أشعر اليوم بالنقص حين أسمع أصدقائي يتحدّثون عن ذكرياتهم في الخدمة الوطنية.
  • هل ستلتحق بالجيش لو أتيحت لك الفرصة اليوم؟
  • للحياة العسكرية نكهتها التي قد تغذيني بنصوص، تختلف عن النصوص التي غذتني بها نكهة الحياة المدنية.
  • هل كانت صدمة “النصر” هي الصدمة الإعلامية الأولى في حياتك؟
  • بل الثالثة…
  • كيف؟
  • كانت الصدمة الأولى من التلفزيون، ما بين 1986 و1987 ، حيث كان من المنتظر أن أنشّط حصّة “سين ـ جيم” بعد مغادرة منشطها كمال علواني إلى العاصمة، لكن ذاك “المنتظر”، أصبح ملغى.
  • لماذا؟
  • أعطوني فرصة أسبوع لاختيار اللباس الذي أظهر به، وحين عودتي، قال لي المخرج إنهم استغنوا عن خدماتي، واختاروا فتاة جاءت لتشارك في “ألحان وشباب”.
  • والصّدمة الثانية؟
  • بعد فشلي في الالتحاق بمحطة قسنطينة للتلفزيون، شاركت أنا وصديقي مراد بوكرزازة في تجربة صوتية للالتحاق بإذاعة سيرتا الجهوية، وبما أنهم كانوا بحاجة إلى صوت واحد فقط، فقد اختاروا مراد، واعتذروا لي أنا، لكنها كانت أخفّ الصدمات علي، لأن نجاح بوكرزازة، شكّل لي عزاء.
  • بالمناسبة: ما رأيك في التجربة التي خاضها مؤخرا في الكاميرا الخفية؟
  • تمنيت من أعماق قلبي، لو أنه لم يتورّطْ  في تجربة فاشلة كتلك، بعد فتوحاته الإذاعية منذ اختاروه عوضي كما حدثتك.
  • هل هذه الصّدمات المتوالية، هي التي مهّدت لانتقالك إلى العاصمة عام 1990؟
  • من قبلُ لم أفكر إطلاقا في دخول العاصمة، كانت قسنطينة تسحرني، وفيها ذكريات دراستي الجامعية وحبّي، لكن طموحي كان أولى من المكان، فكان علي أن أحمل حقيبتي وأرحل [ ينفجر ضاحكا فجأة ]: بل لم تكن لي حقيبة أصلا.
  • لماذا دخلت “آلجي”؟
  • كان طموح والدي أن أصبح معلما بعد أداء واجب الخدمة الوطنية، لكنني كنت دوما أفضل جنون الصّحافة، معتقدا أن العاصمة تمكّنني من الالتحاق بجريدة ما، وهنا عليك أن تدرك أن ذلك كان صعبا جدا في تك المرحلة، إذ لم تكن هناك إلا “الشعب” و”المساء” و”النصر” التي خلفتها في الشرق، وعلى الصحافيين اليوم أن يحمدوا الله على التعددية الإعلامية، إذ يمكنهم أن يعملوا في أكثر من عنوان، رغم ذلك عاهدت نفسي بألا أعود من حيث أتيت.
  • أين كنت تقيم، وممّ كنت تقتات؟
  • بخصوص القوت لا أذكر ما كنت آكل لقلته، أما المبيت فأغتنم الفرصة لأشكر إحدى منظفات الحيّ الجامعي حيدرة وسط، التي كانت تعطيني مفتاح مقصورتها حيث تضع أدوات التنظيف، كانت مقصورة بدون مصباح أصلا، وضيّقة لا تسعني أنا طويلَ القامة كما ترى.
  • هل وجودك في الحيّ الجامعي هو الذي ألهمك فكرة التسجيل في الماجستير؟
  • كان التسجيل شرطا ضروريا للحصول على غرفة، فالتحقت بمعهد علوم الإعلام والاتصال، بعد نجاحي في المسابقة، وفي هذه الفترة بالذات طردت من مقصورة المنظفة، مع تماطل الإدارة في تسليمي غرفة رغم أنني بتّ طالبا في الدّراسات العليا.
  • كيف تصرّفت؟
  • كنت صديقا لمحمد قرّوش صاحب العديد من الجرائد اليوم، مع ذكر أنه لم يكن كذلك في تلك الأيام، كان مجرّدَ طالب غني بطموحه فقط، فعرض علي مشاركته غرفته في الحيّ الجامعي.
  • هل درستَ في الماجستير بجدّية، أم أنك سجّلت فقط، لتحلّ مشكل السّكن؟
  • في البداية كان حلّ مشكلة السكن هو الهدف، لكن بعد مباشرة الدّراسة تغيّرت نوايايَ، فانخرطت في الدّراسة بجدّية، حتى أنمّي موهبتي الإعلامية، خاصّة بعد اكتشافي لنظرية ماكلوهان.
  • من هم الأساتذة الذين شكّلوا وعيَك الإعلاميَّ الجديد؟
  • الدّكتور عبد الرّحمن عزّي ـ الدّكتور إحدادن ـ العراقي خالد سلام ـ السّوري عزّت عجاّن ـ الأستاذ ابراهيم براهيمي، خاصّة الدّكتور عزّي.
  • لماذا هو بالذات؟
  • لأنّه كان أكثرَ من أستاذ يُعطي المعلومات، بل مفكّرا في مجال الإعلام، وللأسف الشديد فقد خسرته الجزائر، بهجرته إلى ماليزيا، وهنا أشير إلى أنه كان المُشْرفَ عليّ في الماجستير، وبهجرته توقف المشروع.
  • ألم تناقش لحد الآن؟
  • نعم…، إذ طلبت من الدّكتور محمّد قيراط أن يشرف عليّ بدل الدّكتور عزّي، فوافق لكنه هو الآخر لم يمكث إلا قليلا، وهاجر إلى الإمارات العربية.
  • وكان موضوع الرسالة؟
  • آليات الصّراع الفكري عند مالك بن نبي.
  • فالتحقتَ بمجلّة “الوحدة” عام 1990
  • كان صديقي علاوة شواطي واحدا من أسرة تحريرها، فاقترح علي الالتحاق بها، وحين قابلت مديرها الأستاذ على ذراع قال لي: إن المجلة لا تتوفر على منصب مالي، فقلت له إنني مستعد للعمل مجانا ريثما يتوفر منصب مالي جديد، فقبل بذلك.
  • وهل جاء ذاك المنصب المالي؟
  • بعد نصف سنة، وهنا انتقل علي ذراع إلى “المساء”، وجاء صالح شكيرو مكانَه.
  • ما كنت تكتب في الوحدة؟
  • حوارات ـ تحقيقات وتغطيات لأحداث ثقافية وسياسية.
  • ما هو أهمّ شيء كتبته في رأيك؟
  • بل قل أطرف ما كتبته؟
  • هاتها 
  • كتبت مقالا صغيرا عنوانه: “الإنسان حيوان يخلص”، أي يتقاضى راتبا، وكان ذلك بسبب العَوَز، إذ قلت لك إنني كنت أعمل في البداية مجّانا، مع تأخر المنحة الجامعية، الأمر الذي حتّم علي “القارنطيطة” ليلا ونهارا، حتى صرت أراني حيوانا لا يأكل إلا شيئا واحدا، واستدعاني رئيس التحرير يومها عبد الله بشيم، فصارحته بوضعي، وكان كريما معي حين أمر المتصرّف المالي للمجلة بأن يصرف لي مبلغا ماليا، كان أول مقابل مادي أتقاضاه على جهودي.
  • ولمْ تطلْ فرحتك بالتوظيف في المجلّة حتى سرّحوك، كيف حصل ذلك؟
  • قمنا باحتجاج تضامنا منا مع عمال المطبعة.
  • من أنتم؟
  • أنا ـ علاوة شوّاطي ـ صادق جردي ـ اسماعيل بصباص ـ الحاج دحمان وعباس بومامي.
  • وما دخلكم أنتم في عمال المطبعة؟
  • من تدخل فيما لا يعنيه، وقع له ما لا يرضيه.
  • هل حصلتم على تعويض ما؟
  • لا طبعا…، وهنا دعني أدلي بشاهدة حق في صالح شكيرو، حيث نصحنا محبة فينا، بترك الاحتجاج، لأنه حماقة ستعرقل مستقبلنا، لكننا لم نأخذ بنصيحته، والغريب يا صديقي، أن عمال المطبعة عادوا إلى عملهم بمجرد طردنا، دون أن يقولوا لنا كلمة شكر واحدة.
  • يبدوا أن الجوع قدَرٌ وقع في غرامك يا كمال.
  • قاومته في البداية ببعض المال الذي كنت أحصل عليه من تدريسي لمقياس تحليل النصوص، كأستاذ متعاون بمعهد علوم الإعلام والاتصال، وهو أمر لم يدمْ طويلا، لأنني تخليت عن المنصب، بسبب حالة نفسية انتابتني، بعد أن أخبرتني الطبيبة بأنني مصاب بمرض القلب، فقرّرت أن أعود إلى العلمة وأموت بين أهلي.
  • [ وهنا قاطعنا الفنان المسرحي العراقي فاضل عبّاس، بهذه الأقوال دفعة واحدة، بعد أن استمع إلينا في بعض الحوار/ “قال جبران: يكفي القتيلَ شرفا، أنه ليس القاتل، وقال طاغور: إذا لم يكن أمامك سوى الوقوف على الجمرة، فلا بدّ أن تفتعل الحلم لتقول إنها باردة، وقال غاندي: تعلمت من الحسين بن علي، كيف أكون مظلوما وأنتصر”، ثم حمل محفظته وغاب.]
  • لكنك لم تمتْ لحدّ الآن يا سيزيف
  • كان سيزيف دائما في خيالي، لكثرة صعودي وهبوطي من جديد، لكنني كنت دائما أعتبر نفسي أفضلَ منه، لأنه أسطورة وخيال، بينما أنا واقع من دم يفور بالإرادة. 
  • والدّليل أنّك لم تيأسْ، فأسّست دارا للنشر في العلمة سنة 1993، حدّثنا عن التجربة
  • دار النشر كانت واحدة من أحلامي، بالإضافة إلى الصّحافة، فاستثمرت فراغي في العلمة، بعد خروجي من العاصمة، في بعث ذالك الحلم، كان الأمر يبدو مستحيلا بالنظر إلى الظروف الأمنية التي طبعت المرحلة، فكان أول إصدار للدار: رسائل حب، وهو عبارة عن كتاب يضمّ رسائلَ عاطفية، كتبه العربي حاج صحراوي.
  • أشتمّ رائحة النزعة التجارية من العنوان
  • لم يكن الدافع ماديا، وإنما خروج عن روح المرحلة التي طبعها الموت والحقد الأعمى، لكنني اصطدمت بالواقع الأصولي، بحيث رفضت المكتبات توزيعَه، فبقي مكدّسا، وهو المصير نفسه الذي لقيته العناوين الأخرى، مثل الديوان الأول للشاعر عاشور فني “زهرة الدنيا” وقاموس “تعلم الألمانية”.
  • ثم اختفت الدار فجأة مثلما ظهرت
  • مخلفة كوارثَ من الدّيون، بسبب جهلي لعالم النشر والمنطق التجاري، معجونا بالظرف الأمني القاسي.
  • هل اعتقدت بعد هذا الكمّ الهائل من الخيبات، أنك منحوس؟
  • أقسم إن ذلك حصل، وقد واجهني بها أبي مرة فبكيت.
  • واللاّفت للدهشة، أن ذلك لم يزدْك إلا إصرارا، حيث أطلقتَ عام 1997 أسبوعية “أبراج”
  • كان صديقي حكيم ولد خالد “هو الآن في أمريكا”، يملك اعتمادا لجريدة متوقفة بالعنوان ذاته، فاقترح علي بعثها، وبينما نحن نتجاذب أطراف الفكرة، دخل علينا عبد الحق عطا الله، فأصبحنا شركاءَ في المشروع الذي أوكلت إلي مهمّة تسييره.
  • كانت ذات توجّه اجتماعي وفني، وتصدر من سطيف، حدّث القارئ عنها قليلا
  • كانت انطلاقتها جيّدة، بحيث لقيت رواجا عند القراء، ولكن فجأة بدأت تظهر مشاكلُ بين عطا الله وحكيم ولد خالد.
  • ما طبيعة تلك المشاكل؟
  • لست أدري بالضبط، كل ما في الأمر أن ولد خالد اقترح عليّ إقصاء عطا الله، ففضلت التريث حتى اكتشفت فيما بعد أنّ عطا الله كان يستغلّ وسائل الجريدة ليلا في إعداد جريدته الرّياضية “نجوم الملاعب” بعد أن نغادر نحن المقر، مع عمله الخفي على تحطيم “أبراج”.
  • وهو الشريك فيها؟
  • نعم وهو الشريك.
  • فكيف كان مصيرها إذن؟
  • التوقف طبعا.
  • كم ربحت وكم خسرت ماديا؟
  • أنا لا أعرف الرّبح، أنا أخسر فقط، ألم نتفق على أنني منحوس؟.
  • لكن الذي يعتقد كونَه منحوسا لا يصرّ هذا الإصرار كلَّه
  • هذا هو الاستثناء مع كمال قرور، لا يتعب أبدا من أن يواجه البحر بصنارته، بعد كل غرق.
  • وأين رميت صنارتك بعد “أبراج”؟
  • رميتها في أسبوعية جديدة سمّيتها “الوسيط”، كانت ذات توجه اقتصادي وتجاري، تعمل على لعب دور الوساطة بين المستهلك والمنتجين، ولأن السّوق الجزائرية غامضة، ولا تعرف ثقافة الإشهار، فقد فشلنا في المرحلة الأولى.
  • هذا يعني أن هناك مرحلة أكثر خصبا
  • بل أكثر قحطا.
  • فاجأتني بهذه المفارقة
  • عدنا إلى التوجه الاجتماعي والفني، الذي كنا قد جرّبناه في “أبراج”.
  • بالمناسبة: ما رأيك في المسمّاة “صحافة صفراء”؟
  • هي حساسية إعلامية موجودة في العالم كلّه، تعتمد على الفضائح الموثقة بالصّورة والأدلّة المادية، غير أنها في الجزائر تعتمد على الإشاعة والتهم الباطلة في كثير من الأحيان.
  • وما هي الفلسفة التي اعتمدتموها في المرحلة الثانية من “الوسيط”؟
  • اعتماد الأسلوب الخفيف والمشوّق، لكنّ القرّاء لم يتجاوبوا معنا.
  • إلى درجة أنكم كنتم تكتبون بالدّارجة
  • توقعا منا بأنها مطلوبة من القرّاء.
  • هنا لا تستطيع أن تنفي لي نزعتك المادية
  • كانت نيتي أن أحافظ على توازن الجريدة.
  • ولو على حساب المبادئ الإعلامية والثقافية؟
  • كان حضور الدّارجة في الجريدة جماليا.
  • وإلى أين وصل بك ذلك “الجمال”؟
  • إلى الخراب طبعا.
  • كيف؟
  • أفلست والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
  • تستحق عن جدارة لقب “سيزيف الإعلام الجزائري”، لذلك سيتوقع القارئ مسبقا، أنك بعد انحدار صخرة “الوسيط”، ستحمل صخرة أخرى
  • كانت تلك الصّخرة الجديدة تحمل عنوان “فانتازيا”، والتي تميزتْ عن سابقاتها بأنها سقطت على رأسي هذه المرة، كانت اجتماعية وساخرة.
  • ولم تتبْ عن استعمال الدّارجة فيها، إذ كنت أنت شخصيا تكتب بها ركنك الشهير “طاق على من طاق”
  • كانت الانطلاقة جيدة، لكن التوزيع طرح نفسه كمشكلة عويصة، ثم ظهرت معه مشكلة الطبع، إذ كنا نطبع في “الإنيب” بالعاصمة بكل ارتياح، وحين تحوّلنا إلى مطبعة قسنطينة لأنها قريبة من سطيف، وقعت الكارثة، إذ كانت معظم النسخ تطلع مشوهة، ففقدت الجريدة جماليتها.
  • هل يرجع ذلك إلى محدودية إمكانيات المطبعة، أم إلى عرقلة مبيّتة “في رأيك الخاص”؟
  • أرجّح الاحتمال الثاني.
  • أوضحْ
  • الدليل أن العناوين الأخرى كانت تطلع بعيدة عن التشوّه.
  • كيف تصرّفت؟
  • لم أتصرف، إذ توقفت الجريدة بقرار إداري، بعد مقال كتبته خارج القانون، وقد حكموا علي بستة أشهر سجنا غير نافذ، مع مراقبة دامت خمسَ سنوات.
  • وبذلك كانت آخرَ محاولة لك في عالم “الصّحف السيارة”، هل هو اليأس؟
  • بل هو التعب، أنا لم أيأس بعد.
  • إذن لنا أن نتوقع أن ترفع الصّخرة من جديد
  • لن أفعلها
  • هو اليأس إذن وليس التعبَ كما قلت؟
  • سمّه كما شئت.
  • ما هي طبيعة الأقلام التي كانت تكتب في جرائد؟
  • لم تكن هناك أقلام محترفة، وربما هذا واحد من أسباب الفشل.
  • هل كانت فيها أقلام معروفة اليوم؟
  • الخير شوّار، كان اكتشافا كبيرا، وهو اليوم في نظري من أهم الأدباء والإعلاميين الشباب.
  • يقال إنك هضمت الحقوق المادية لكثير منهم
  • ليعذرني من أصابه شيء من ذلك، فحتى أنا لم أجن شيئا.
  • على ضوء هذا كلّه يحقّ لي أن أستنتج أنّ النجاح الوحيد الذي جنيته، هو جائزة مالك حداد
  • أخشى أن تتلااجع اللجنة عن قرار منحيها الجائزة لي [ يقهقه ].
  • سمعت بأنك كتبت مقالا أرسلته إلى يومية معروفة، فرفضتْ نشرَه بحجة كونه “خطيرا”، فاتخذت منه نواة لكتابك “خواطر الحمار النوميدي”
  • هذا صحيح…، كان عبارة عن بيان يدين الوضع السياسي والاجتماعي، ويقف موقفا إيجابيا من فكرة المصالحة التي كانت مرفوضة في البداية، فلما رفضت تلك الجريدة نشرَه، جاءتني فكرة تحويله إلى كتاب صدر عن منشورات السّنة العربية في الجزائر.
  • ما هو الموقف الذي ترى أنك استعملت فيه “شجاعتك” كاملة، في كلّ مسارك الإعلامي؟
  • ذهبت إلى برج بوعريريج لتغطية حدث ما، عندما كنت في “الوحدة” مع بداية التسعينيات، وهناك التقيت بحضرة السيد محمّد الصالح يحياوي ذكره الله بخير، فقلت له: أنا من جيل الاستقلال، وأريد أن تحدثني قليلا عن بعض الحقائق، فقال لي: إن هناك حقائقَ تذهب مع أصحابها إلى القبر، وبعفويتي قلت له: إذن أنت لا تملك الشجاعة الأدبية، فغضب غضبة لم أرَ إنسانا غضبها في حياتي، وصاح في وجهي: إذا كنت شجاعا فعلا، فاكتب ما أقول لك، وقال لي أمورا شكلت خبطة إعلامية، تناقلتها معظم العناوين في تلك الأيام.
  • طال حوارنا يا صاحب “الترّاس”، ولك أن تجعل له مخرجا حسنا
  • لقد روّضت هذا الفشلَ مثلما روّضني، فتعايشنا حتى صرنا نأكل وننام معا، وهذا القلم الذي كاد أن يدخلني في عالم النسيان، ها هو ذاته يعيدني إلى الذاكرة، أيّها الكتاب: لا تفقدوا ثقتكم في القلم.
  • الكاتب والروائي كمال قرور لوكالة اخبار الشعر العربي

     الكاتب والروائي كمال قرور :

     ( حتى لو لم تفز الرواية كنت سأحتضنها وأفتخر بها )

     كمال قرور كاتب ينحت في الصمت بعيدا عن ضوضاء الضوء ، بدأ يكتب في الخاطرة أول ما بدأ ، بعدها جرب الشعر قليلا وكتب نصوصا شعرية نشرها هنا وهناك في أوائل التسعينات ، بعدها لوح للكتابة بالقصة القصيرة وكتب قصصا قصيرة ، لكن كل هذه التلويحات كانت تشتغل أعمق لصالح السرد الطويل / الرواية ، وكل هذه التلويحات جعلته يعزف لحنه الأول في هذا الفن وهو ” التراس / الفارس الذي اختفى” ، هذا اللحن الذي نال إعجاب لجنة القراءة الخاصة بجائزة مالك حداد للرواية والتي اختارته ليكون هو فارس الجائزة هذه المرة مناصفة مع الكاتبة جزيرة النجدي. كمال قرور الذي كرم هذا الأحد 20/01/2008 بجائزة مالك حداد بحضور نخبة كبيرة من أهل الثقافة والأدب وبحضور مميز للكاتبة والناقدة اللبنانية يمنى العيد التي تحضر لأول حفل توزيع جائزة مالك حداد في دورتها الرابعة ، أيضا بحضور أحلام مستغانمي راعية الجائزة . لكن غاب الروائي نبيل سليمان لظروف صحية . في هذا الحوار يتحدث كمال قرور عن الجائزة وعن مالك حداد ويمنى العيد وعن التراس عمله الروائي الأول المتوج بالجائزة وعن أمور أخرى نكتشفها معا.

     

     

    حـاورتـه / نـوّارة لـحـرش

     

     

    **: فزت بجائزة مالك حداد للرواية لعام 2007، فهل جاءت الجائزة لتنصفك حقا، وهل كنت تتوقع أن تكون أحد الفائزين بها؟ وكيف تلقيت خبر الفوز؟

     

    ** كمال قرور : دعيني أشاكس قليلا حتى لا تفرضي علي منطقك فأجيبك قدر السؤال. بصراحة، أتمنى أن أنصف الجائزة وأشرفها بمواصلة تقديم الجديد والممتع في مجال الإبداع مثلما واصل الذين فازوا بها قبلي، حتى لا يعتقد الناس أن هذا الفوز المفاجأة، صدفة أو خطأ.

    بصراحة، كنت متوقعا أن تحظى هذه الرواية بالاحترام و التقدير من قبل لجنة التحكيم، والحمد لله أنها فازت.. وحتى لو لم تفز كنت سأحتضنها وأفتخر بها. أنا لم أكتب هذه الرواية للصالونات أو للبريستيج الأدبي، ولم أقم بتجميلها لأظهر براعتي الأسلوبية والفنية، إنما هي أرادت أن تكون فكانت، راودتني سنوات فاستسلمت لها في لحظة إحباط  – وليس من عادتي الاستسلام – وكان بيننا ما كان. أتمنى أن تعجب النقاد وتعجب القراء أيضا..وتضيف شيئا جديدا للرواية الجزائرية والعربية.

     

    ** : يمنى العيد هي واحدة من لجنة التحكيم،فهل يعني هذا أنك محظوظ لأنها كانت قارئة بتمعن للرواية ، وللفارس/ التراس ؟

     

    ** كمال قرور : أنا والحظ متخاصمان منذ مدة طويلة، كنت حين أدق بابه لا يفتح، وحين يدق بابي يجدني نائما أو مشغولا بأشياء أخرى، تشغلني عنه. ولكنه صالحني هذه المرة، وعوضني عن السنوات الصعبة التي إقتنعت فيها أني غير محظوظ ولا أصلح لشيء. الحقيقة أني سررت كثيرا لأن الناقدة يمنى العيد كانت في لجنة القراءة وهي ناقدة معروفة في الوطن العربي ولها مساهمة كبيرة في النقد الأكاديمي، وكنا في الجامعة ندرس كتبها. وسرني أكثر أن يحظى هذا العمل الأدبي التجريبي بقبولها وبقبول الروائي نبيل سليمان ،لا أخفي عليكِ :عندما قرأتُ تقريريهما شعرت بالراحة وبالمسؤولية لأنهما أعطياني الضوء الأخضر لبداية المشوار الصعب. مشوار الكتابة الذي ظللت لعقود أتهرب منه.

     

    ** : أخبرتني أنه تم تغيير العنوان من التراس وهو العنوان الرئيس إلى ملحمة الفارس الذي اختفى وهو العنوان الهامشي ، كيف تنظر إلى هذا الحذف الذي مس العنوان ؟

     

    ** كمال قرور : في أعراف النشر، من حق الناشر أن يغير العنوان إذا كان لا يحقق الرواج المطلوب، وأنا متفهم جدا، لموقف الأصدقاء في الإختلاف،لأن الرواية ستصدر في لبنان وتوزع في البلاد العربية، لكننا قبلنا الحرافيش ، وميرامار، والمتشائل واخطية بصدر رحب . ولكن السياق الذي كتبت فيه هذا العمل/ التراس / كان خاصا جدا.لقد كان العنوان حكاية الفارس الذي اختفى ، ثم تطور إلى ملحمة الفارس …ولما وصلت إلى التراس كأنما اكتشفت مركز الكون وربما طرت فرحا مثل ذاك الذي راح يصرخ يوريكا يوريكا.لأنه أعطاني البعد الجمالي الذي كنت أبحث عنه وأعطاني نفس الكتابة . لقد عدت إلى الحكاية الشعبية العربية، مستعيرا شكلها الفني من أجل تأصيل هذا الشكل الأدبي ، وانطلقت من خصوصية هذه المنطقة العربرية – على رأي صديقي الشاعر ناصر معماش – لتأكيد الإنتماء المغاربي إلى الفضاء العربي منذ فجر التاريخ حيث لن يستطيع أحد أن يبتر هذا الانتماء .وبحكم أني الوارث لهذا الشرق الثقافي ،كان علي أن لا أعيد بضاعته إليه مثلما فعل أسلافنا القدامى ظانين خطأ أن ذاك دورهم. إن الفضاء المغاربي الذي استطاع اليوم أن يصدر الفلسفة إلى المشرق حان الوقت أن يتجاوز مرحلة الاجترار لينتج خطابا أدبيا جديدا يغذي الخطاب العربي ويغنيه. 

     

     

    ** : قلت لي بأن هذا العمل ما هو إلا فرقعة أولى و صغيرة ،فهل يمكن أن تحدثنا عن الفرقعات الأخرى ؟

     

    ** كمال قرور : رجاء لا تورطيني ،لأكشف أوراقي منذ البداية.هذه الفرقعات إذا حدثتك عنها  كثيرا وهي غير مكتملة قد تصبح فقاعات،وأنا لا أريدها أن تكون كذلك . العمل عندي لا يكتمل حتى عندما أضع نقطة النهاية، فقد ألغيه وأعيده مرة أخرى.ورغم ذلك أتمناها أن تكون فرقعات حقيقية تعيد النظر في الأشياء وتقدم الشيء الجديد الذي يبحث عنه القاريء العربي .. 

     

    ** : ماذا تحكي رواية الفارس أو التراس ، هل لنا أن نعرف بعض أجواءها ؟

     

    ** كمال قرور : تلخيص عمل أدبي قد يكون ممتعا للقاريء والناقد معا، لكنه في الحقيقة،عقاب  كبير لكاتبه . التراس الذي يُعلم الناس كيف يحبون بعضهم ويحبون وطنهم ويحبون الحرية والعدالة والحق والنبات والحيوان والأشياء ، ويعلمهم كيف ينتصرون على الخوف الذي يسكنهم، هؤلاء هم الناس الذين خانوه بعد الثورة حيث اختفى في ظروف غامضة . نسي الناس مبادئه التي علمهم أياها وتخلوا عن حبيبته وتركوها تواجه تحرشات وجهاء البلاد الذين تقاتلوا فيما بينهم للظفر بها، بينما ظلت هي وفية لحبيبها المختفي .الرواية إنتصار للمرأة ، للشرف، للحب الإنساني بمفهومه الواسع ، للكرامة ، للتسامح ، للمعرفة ، للبطولة والتضحية. وإدانة للاستبداد والخيانة والجبن والاتكال والجهل والأنانية ..

     

     ** : سيصدر لك قريبا كتاب ضمن تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية فماذا تقول عنه ؟

     

    ** كمال قرور : الكتاب هو “خواطر الحمار النوميدي”، وهو في الحقيقة مقال صحفي بعثته أثناء الأزمة إلى إحدى الجرائد الوطنية لأوضح موقفي من كل ما يحدث. كنت رافضا لكل ما يحدث في البلاد وما يحدث للعباد، لكن المقال لم ينشر ولما استفسرت الأصدقاء قالوا لي : أنت مهبول ، هذا كلام خطير ولا ينشر.. فجاءت الفكرة وهي أن أنسب هذه الأفكار الخطيرة إلى حمار محلي. لكن المقال تطور إلى شكل فني آخر. حيث يقوم هذا الحمار النوميدي برحلة عجيبة للوصول إلى الحاكم ليبلغه تلك الرسالة وكان عليه أن يمر بالمير والكوميسار وزعيم السانتيكا وزعيمة النسوان وأمين الكتاب والجنرال ليأخذ التصريح بمقابلة الحاكم ، وكان في كل محطة يجد المسؤولين غارقين في مشاكل ، فيساهم بحنكته في الحلول، ويأخذ التصريح ويواصل طريقه .

     

    ** : سلمت روايتك الفائزة بجائزة مالك حداد للروائي الطاهر وطار كي يبدي رأيه فيها وفي الخط الكتابي الذي انتهجته فيها و الذي ترى أنك تريثت كثيرا قبل المغامرة فيه لأنك رأيت أنه غرائبي بعض الشيء ، لماذا وطار تحديدا ، و ما هي ملامح هذا الخط ؟

     

    ** كمال قرور : الحقيقة أنني سلمت المخطوطة إلى مجموعة من الأصدقاء لقراءتها ومن بينهم الروائي الكبير الطاهر وطار الذي أحترمه كثيرا، لأنه نموذج للمثقف الفعال الذي يبادر ولا ينتظر الآخرين، وله مواقف كثيرة شجاعة. وإضافة إلى ذلك، هو كاتب معروف له أسلوبه ومدرسته، إشتهر بانتمائه إلى الواقعية الاشتراكية وانتهى إلى التجريب،.ومعظم الكتاب الجزائريين خرجوا من معطفه أو برنيطته أو وكره الجاحظية وأنا أجد جذوري الأدبية في روايته الحوات والقصر. العودة إلى النبع العودة إلى الحكاية.وأجمل كتاب قرأته للطاهر وطار، هو وطار نفسه، وطار الشخص البسيط في تواضعه ، حديثه وسخريته وفعاليته، ونكته وأمثاله، حكاياته ، تواريخه ، دراية بالمكان ، ومعرفته للأشخاص.لهذا يهمني أن أعرف رأي وطار في عملي المتواضع بدون مجاملة.

     

    ** : ماذا تقرأ الآن ؟

     

    ** كمال قرور : الحقيقة أن الطاهر وطار هو من سلمني رواية الكوني “بيت في الدنيا وبيت في الحنين”  وقال لي هذا الكاتب يستحق جائزة نوبل للآداب.ولما قرأت الرواية أعجبتني كثيرا وخاصة لغتها الشيقة وعالمها الغرائبي الباهر. واحتفائها بالمكان وبخصوصيته، صراحة تمنيت أن أمتلك ناصية اللغة الراقية التي امتلكها هذا الكاتب البارع. وبعد الانتهاء منها قرأت دفعة واحدة رواية حميد عبد القادر ” مرايا الخوف ” ورغم أن حميد فضل الأسلوب الوصفي الكلاسيكي إلا أن ثقافته السياسية ودرايته بملفات الحركة الوطنية وثورة التحرير استطاع أن يعود إلى الذاكرة بسرد الحكايات ليكشف لنا الفظائع المسكوت عنها وصاغها في قالب فني جميل . 

     

    ** : في الأخير ماذا يقول التراس عبر نافذة هذا الحوار لروح مالك حداد الذي أنصفك بجائزته و للقاريء و لكمال قرور أولا و أخيرا .

     

    ** كمال قرور : رغم ما قدمه هذا الكاتب الكبير من أدب عذب ورقيق إلا أنه رحل في صمت .كم نحتاج اليوم إلى تفاصيل سيرته ودراسات عميقة عن أدبه.. شكرا للأستاذ بوطاجين الذي ترجم روايته الانطباع الأخير والأستاذ عبد السلام يخلف الذي ترجم ديوانه الشقاء في خطر. شكرا لأحلام مستغانمي التي أثثت رواية ذاكرة الجسد بكبريائه وشموخه ثم فكرت في إحياء روحه في هذه الجائزة المحترمة وشكرا للاختلاف التي جعلت هذا الحلم الجميل واقعا ملموسا وشكرا للتلفزيون الجزائري الذي يساهم في دعم هذه الجائزة .

    في الأخير،أقول للقاريء العزيز: أتمنى من أعماقي أن تجد ضالتك في هذه الرواية وفيما أكتبه مستقبلا .

    وأقول لنفسي: الجائزة ليست نهاية المطاف وليست قمة المجد ، إنها البداية لرحلة طويلة. أعترف الآن أني بدأت أتعلم الكتابة في الأربعين ولا يهمني إلى أي جيل أنتمي.. كم أشعر أني خارج لعبة الأجيال ..

     

    حـاورته / نـوّارة لـحـرش

    المصدر

    كمال قرور، الفائز مناصفة بجائزة مالك حداد للجزائر ينوز

      كمال قرور، الفائز مناصفة بجائزة مالك حداد

    كيف اشتغلت على رواية ”التراس” و هل كنت تنوي منذ البداية إرسالها للمشاركة في جائزة مالك حداد للرواية؟

    كلا، نص رواية ”التراس” نص قديم نوعا ما· كان في البدء قصة قصيرة، كتبتها عام .2002 ثم، لاحقا، شرعت شيئا فشيئا في تطوير النص وإثراءه بتأن· أما عن المشاركة في المسابقة، أذكر بأنني علمت بها أسبوعين فقط قبل اختتام الآجال، وذلك عن طريق الصحافة الوطنية· أرسلت المخطوط وأنا جد متيقن بأن بإمكاني المنافسة

    والرهان على حظوظي· أؤكد بأنني لأول مرة شعرت بأنني كتبت نصا جادا·

    يميل نص الرواية أكثـر إلى تأصيل التراث الشعبي؟

    أكيد، أنا أميل أكثر إلى تأصيل التراث الشعبي، هذا المخزون الذي ظل يسكنني منذ سنوات الجامعة، مع العلم أنني خريج معهد الأدب العربي، بجامعة قسنطينة· أقر بأنني جد معجب بالتراث الشعبي الجزائري، استمالتني روايات ”الحوات و القصر” للطاهر وطار، ”ألف عام

    وعام من الحنين” لرشيد بوجدرة، وبالأخص ”نوار اللوز” لواسيني الأعرج التي أثارتني، وكانت دافعا للاطلاع على التغريبة الهلالية· وفي الأدب العربي تعجبني روايات المصري جمال الغيطاني، أما في الأدب العالمي فأذكر غابريال غارسيا ماركيز الذي سحرني بمائة عام من العزلة·

    ماذا بإمكان هذه الجائزة أن تضيفه لمسارك الإبداعي؟

    لا اخفي عليك بأنني فشلت في العمل الصحفي في كثير من الجرائد الوطنية، فانسحبت لا حقا إلى الأعمال الحرة بمدينة العلمة· لكنني صرت اليوم واثقا أكثر من أي وقت مضى

    بأنه  يمكنني استعادة شغف الكتابة· أنا أحضر حاليا لنص روائي جديد، تحت عنوان ”فونطوش، سيد الخراب”.

    س·خ

    المصدر الجزائر نيوز

    الروائي كمال قرور الفائز بجائزة مالك حداد في ضيافة النور

    الروائي كمال قرور الفائز بجائزة مالك حداد في ضيافة النور

     src=https://i0.wp.com/www.alnoor.se/images/gallery/galleryin/news/news_10/46.jpg

    بعد تراكم المعرفة والخبرة، فاضت الكتابة دون أن أدري

     

    اختارت جائزة مالك حداد التي تنظمها رابطة كتّاب الاختلاف، والروائية أحلام مستغانمي هذه المرة، “فارس” كمال قرور “الذي اختفى” فائزا بطبعتها الجديدة، بعد أربعة قرون من نهاية عصر الفروسية على يد الأسباني ميغيل دي سيرفانتس و”دونكيشوته”، عن الجائزة والفروسية، والسيرة الهلالية تحدثنا مع كمال فيما يلي:

    حاوره: الخير شوار

     

    النور : سارفانتس بـ”دون كيشوته” سخر من الفروسة وأنهى عصر الفرسان، ما الذي جعلك تحاول إعادة الاعتبار للفروسية في غير عصرها؟

    كمال قرور : إنها المفارقة يا صديقي. أنا أشتغل الآن على المفارقة. ولهذا تجدني أعبر الأزمنة والعصور بحثا عن شيء ما، قيمة ما، فضيلة ما. صحيح لقد انتهى عصر الفرسان في أوربا باكتشاف البخار وانطلاق الثورة الصناعية ودخول أوروبا عصر الحداثة ثم ما بعد الحداثة مجتمع المعرفة والاتصالات. هذه مجتمعات تعيش داخل حضارة لها نسقها الخاص فهي منسجمة ومنطقية. أما نحن في العالم الثالث أو الرابع أو المتخلف أو المصّر على التخلف فإننا نعيش خارج الحضارة. نعيش البداوة السافرة بكل تجلياتها، والبداوة تمجد الفروسية وان كانت بداوتنا اليوم هي أمسخ بداوة وأغبى بداوة لأنها تعيش أوهامها الدونكيشوتية على تخوم الحضارة الحالية.

     

    النور : أكثر الناس يعرفون كمال “ذلك الصحفي الذي اختفى”، فماذا عن كمال قرور وعلاقته بعالم الأدب؟

    كمال قرور : اعلم يا صديقي غفر الله لنا ولك، أن العشرية الحمراء التي قابلتنا بوجهها العبوس هي التي مرمدتني وأفشلت كل مشاريعي الاقتصادية والإعلامية، فكنت أخرج من تجربة فاشلة لأدخل تجربة أكثر مرارة ولهذا أصبحت ابن الفشل المدلل. إن لم أكن أنا الفشل نفسه. ورغم ذلك أعيد الكرّات حتى لو كانت فاشلة مسبقا، لأن صوتا بداخلي يقول لي دائما ستنجح يوما يا ولدي. .

    إني أشبه سيزيف اليوناني الذي تتغنى به الأسطورة مثالا للتحدي. لقد ظللت أصعد وأهبط حاملا صخرتي الثقيلة حتى شاب رأسي وذقني و…ولكني عازم على وضعها في القمة، هذا على مستوى الحياة اليومية وليس على مستوى حياة الكتابة، لذلك أصبحت أشعر أني أفضل من هذا السيزيف لأنه شخصية أسطورية من خيال بينما أنا شخص من لحم ودم، وابن الواقع.

    الحقيقة أني كنت مولعا بالأدب منذ شبابي. نشرت عدة محاولات في الجرائد الوطنية، لكني لم أكن مقتنعا بما كتبت، لأن الجديد المتميز الذي كنت أحلم به لم أستطع للأسف أن أكتبه.

    وبعد دخولي عالم الصحافة التي كانت حلمي منذ الطفولة قررت أن أضع حدا لهذا الكاتب -الذي كنته- والذي يكتب كلاما منمقا خال من أدنى تجربة وليس له أي موقف يذكر. هذا الكاتب الذي كان يتطلع إلى مجد لم يكن في مستواه قررت بيني وبيني أن أتخلص منه وأتفرغ للصحافة.

    صراحة، الصحافة فتحت آفاقي وجعلتني اندمج أكثر في المجتمع وأتعلم “التسوفيج” والجرأة والوقاحة وصحّانية الوجه. اكتشفت بعد مدة أنني لم أكن أعرف الواقع فكيف أكتب عنه. وهذا لا يعني أني ابتعدت -في هذه المرحلة – عن القراءة الأدبية ومتابعة المشهد الثقافي. كانت هوايتي القراءة ومتابعة المشهد من بعيد لذلك لم أدخل الصراعات الوهمية، والتصفيات القذرة، ربما أنقذتني الصحافة من دنس المشهد الثقافي السائد.

    لكن بعد توقيف جريدتي في مطلع الألفية الجديدة والحكم علي بالسجن غير النافذ، وخروجي من الحقل الذي كنت أعتقد أني لا أعرف شيئا آخر سواه.. اكتشفت عالما آخر وهو التجارة التي لم أحلم يوما ممارستها. في هذه المرحلة التي لم تكن جيدة أيضا. عرفت أشياء كثيرة لم أعرفها لما كنت صحفيا.

    هذه الفترة كانت فرصة للقراءة وإعادة القراءة والتأمل ومراقبة سلوكات الناس وطرح أسئلة كبيرة ذاتية وموضوعية. بعد تراكم المعرفة والخبرة فاضت الكتابة دون أن أدري.. كنت كل حين أختلي إلى حاسوبي العزيز ليال وليال ويكون الإمتاع ثالثنا، أفرغ شحناتي وأذهب إلى النوم دون أن أعرف تفاصيل ما كتبت أو نوعه. وبعد مدة تراكمت النصوص وكان علي أن أبذل مجهودا جبارا لفرزها.

     

    النور : وهل كنت تتوقع هذا التتويج وأنت في “سن الأنبياء”، الذي ليس بالضرورة سنا للفرسان؟

    كمال قرور : إن لم يكن في هذا السؤال خبث ومكر. دعني أصارحك يا صديقي بما يلي: كنت أحفظ مقولة لشيخي الجليل كونفوشيوس يقول فيها: “من بلغ الأربعين ولم يسمع به الناس فهو ميت”، وكنت أقول في نفسي: صدق شيخي، من عاش أربعة عقود ولم يقدم لنفسه ولغيره شيئا مهما فهو حقا ميت. ولكني صراحة لم أبرمج هذا الشيء الذي يجب أن أقدمه للناس. ربما كانت هذه الرواية التي تقول عنها أنها تمجد الفروسية التي انتهت ولكني أدعوك لقراءتها بتأن ستكتشف هذا الواقع المأساوي الذي وصلنا إليه ولم نستطع الخروج منه للأسف.. صراحة كنت أعتقد أن هذا النص سيفوز وقلت ذلك للروائي بشير مفتي عندما استلم المخطوط.. لم تكن تهمني الجائزة بقدر ما كان يهمني أن أقول للناس أنا موجود. وأعود إلى سؤالك الخبيث لأقول لك: أن ما جئت به في سن الأربعين هو كتابي الذي أفخر به “الكتاب الأزرق أو العقد الحضاري بين الدولة الراعية والمواطن الفعال”، يعكس وجهة نظري في الثقافة السياسية بين الحاكم والمحكوم. هذا المشروع الطوباوي الذي أقدمه للشباب هو الجسر بين مرحلة الفروسية ومرحلة المواطنة.

     

    النور : لك حكاية غريبة بالسيرة الهلالية وبالتغريبة التي تلقي بظلالها واضحة في هذا المتن المتوج بجائزة مالك حداد، ما سر تلك الحكاية؟

    كمال قرور : التغريبة الهلالية قرأتها مرات وأعجبت بها كثيرا، وأعدت كتابتها بأسلوبي الخاص لكنها ضاعت مني أثناء الانتقال من نظام ماكينتوش إلى نظام مايكروسوفت، وتأسفت كثيرا. لكني أعدت كتابتها بأسلوب مغاير وفق رؤية فيها إسقاط على ما يحدث اليوم وسررت لأني اكتشفت فيما بعد دراسة شيقة للباحث المغربي سعيد يقطين يقدم فيها نفس القراءة التي اهتديت إليها.

    هذه التغريبة أسميتها ” التخريبة الهلالية ” لأن الهلاليين بعد أن أكلوا كل الأقوام الذين ينافسونهم الكلأ والماء أكلوا بعضهم في صراعات وهمية. هذه الرواية تعالج الإشكالية نفسها التي تعالجها رواية التراس- ملحمة الفارس الذي اختفى، ولكن بأسلوب تجريبي مختلف.

     

    النور : زيادة على التراث الشفوي، تحضر الصحافة بقوة في كتابتك الأدبية، بالكلمة “السافرة” الجارحة، هل كان الأمر اختيارا؟

    كمال قرور : أنت محق، التراث الشفوي الذي عرفت قيمته في الجامعة أصبح جزءا من اهتماماتي ومطالعاتي وهذا التراث الغني صنع ذاكرتي ومخيلتي وفرض علي شكل الكتابة الجديدة.

    لقد قرأت شيئا يسيرا من الأدب الجزائري والأدب العربي والأدب العالمي، لكن هذا التراث الشفوي أسرني، ولهذا أشعر أني امتداد للراوي والحكواتي والمداح وربما اشتغالي بالصحافة ساهم كثيرا في هذا المنحى. أما الكلمات السافرة والجارحة فهي امتداد للواقع الذي أعيش فيه فهو لا يخلو من الكلمات النابية والقبيحة والسافرة فالناس في حديثهم يقولون أكلنا امرأة ونكحنا البيتزا.. فهذا الانحراف اللغوي له دلالات ويحتاج إلى تعامل جديد.

     

    النور : ما ذا عن السياسة التي لا يكاد يخلو نص لك منها؟

    كمال قرور : ماذا تقصد بالسياسة أولا؟ إذا كنت تعني بالسياسة، علاقة الفرد بالدولة وكيفية تنظيم هذه العلاقة، فهذا هاجسي المركزي الآن. عندما يستحيل التغيير أسفل الهرم لابد أن يكون من أعلاه. فالقرار السياسي له دوره في توجيه بوصلة الناس، وإذا كان رب البيت للدف ضاربا فأنت تعرف كيف تكون شيمة أهل الدار. العلاقة بين الحاكم والمحكوم ليست على ما يرام في مجتمعاتنا، ليس هناك انسجام بين الطرفين، وهذا ما يوفر لي المادة التي أشتغل عليها.

    وإذا أردت أن تعرف اهتماماتي بقصص الحب والغرام والهيام فأنصحك بقراءة مجموعتي القصصية التي عنوانها “رجل يستحق أن يعشق” وهي تؤرخ لتجارب الحب المستحيلة والساذجة والمجنونة والعفنة. وخلاصة هذه التجربة هي أن المجتمع الذي لا تنمو فيه علاقات الحب طبيعيا هو مجتمع بالضرورة فاسد سياسيا واقتصاديا.

     

    النور : وكيف تقرأ المشهد الروائي الجزائري، وفق منظورك الخاص للعملية الأدبية؟

    كمال قرور : الكتاب الرواد ما زلوا يثرون الساحة الأدبية برواياتهم رغم أنهم أخذوا حقهم من النقد بينما الجيل الجديد مازال يقدم نماذج تلو النماذج في غياب النقد والغربلة، ولكن عندما يكون هناك إصرار على تقديم البديل -بعد تجربة الراهن الساذجة – فهذا جيد. الطاهر وطار لما سلمته روايتي ليقرأها قال لي “هناك روائي واحد يستحق جائزة نوبل وهو إبراهيم الكوني عندما قرأت رواياته شعرت بالخجل” والروائي رشيد بوجدرة قال في حديث لصحيفة وطنية أن هناك كاتبا يأتيه كل عام برواية جديدة وهو يكرر نفسه وللأسف الروائي الكبير لا يستطيع أن يذكر اسمه للقراء كما لا يستطيع أن يقول له هذا الكلام حتى لا يجرحه. إنها كارثة المجاملة.

    بين هذين الموقفين المتناقضين بين الكاتبين الكبيرين كيف تريدني أن أحدد موقفي؟ لن أتهرب من سؤالك أنت تعرفني لا أجامل ولا أنافق ولكن قريبا ستعرف موقفي الذي لا أخالك تجهله.

     

    النور : بعد هذا التتويج، هل تتفرغ للكتابة الرواية؟، أم تبقى “تبشر” بمشاريع المجتمع “الفاضلة” التي شغلت بها نفسك طويلا؟

    كمال قرور : سأكتب الرواية حتى يجف مدادي وأدعو إلى جمهوريتي الفاضلة في كل ما أكتبه وأقوله. إنها الجمهورية الراعية التي يحكمها الحاكم الراعي ويعيش فيها المواطن الفعال بسلام وأمان حيث الكفاءة والمبادرة والفضيلة والعلم. هذه الجمهورية لا يعيش فيها البواطن البهسان الغريزي الكسول. إنها خلاصة قراءتي لفكر أستاذي الكبير مالك بن نبي.

    وبالمناسبة سأطالب بحقي من البترول لان النظام الذي فشل في تحويل ريع البترول إلى تنمية مستدامة ويكدس المليارات في البنوك الأمريكية ويترك البواطنين يلهثون وراء البطاطا والحليب والزيت غير مؤهل ليتصرف بحصتي كما يشاء وكأني قاصر. سأسدد كل ديوني بما فيها ديون تعليمي، والباقي أستثمره في جمهوريتي.

     

    الخير شوار

    المصدر مركز النور 

    كمال قرور الفائز بجائزة مالك حداد للرواية لـ''الخبر''

    كمال قرور الفائز بجائزة مالك حداد للرواية لـ”الخبر”
    الأنواع الأدبية الشعبية أعطتني ثقة كبيرة في الموروث الشعبي

     بدأ كمال قرور بكتابة القصة القصيرة منذ وقت مبكر، لكنه لم يقتنع بما كان يكتبه من حيث الشكل والمضمون. وبعد دخوله عالم الصحافة تخلى عن الكتابة الأدبية، لكنه سرعان ما عاد إليها، فتحصل على جائزة مالك حداد للرواية  بروايته ”الترّاس.. ملحمة الفارس”، مناصفة مع كاتبة مجهولة استعملت اسما مستعارا. وفي هذا الحوار الذي خص به الخبر يتحدث قرور عن تجربته في الكتابة.
     اعتمدت في كتابة رواية ”التراس” على أسلوب هو مزيج بين الأسلوب الحداثي والتقليدي، لماذا هذه التقنية؟
    أسلوب الكتابة وشكلها فرضا نفسيهما عليّ في كتابة هذه الرواية وبقية الروايات، وكذلك القصص القصيرة. كان عليّ أن ابحث عن أسلوب وشكل يستوعبان أفكاري وخيالي ليستوعبا هذا الواقع العجيب المريب. لما رأيت الناس يتفاعلون مع الخرافة والأسطورة كان عليّ أن أحطم كبرياء هذا الواقع و”أُأَسطره” ليصبح التجاوب معه ايجابيا. ربما لأني اقتنعت أخيرا بهذا، بعد أن اقتنعت به منذ المرحلة الجامعية؛ حيث انجذبت إلى الأشكال الروائية التي اختارت التأصيل مثل موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح والزيني بركات لجمال الغيطاني والف وعام من الحنين لبوجدرة والحوات والقصر للطاهر وطار ونوار اللوز لواسيني لعرج..الخ. بعد اكتشافي للأدب الشعبي ولقيمته الفنية والاجتماعية والحضارية، أدمنت على قراءة السير الشعبية والحكايات والأساطير والأمثال. هذه الأنواع الأدبية الشعبية أعطتني ثقة كبيرة في الموروث الشعبي، وخاصة بعد أن أصبحت أنظر إلى بعض الأعمال الأدبية الواقعية بنظرة الريبة؛ لأنها تستنسخ تجارب الآخرين وتشوه واقعنا المختلف. لما اكتشفت في الجامعة التحليل الحضاري لمالك بن نبي نبهني إلى أن واقعنا ليس بالضرورة هو الواقع الأوروبي؛ لأن أوروبا تعيش الحضارة بينما نحن نعيش خارج الحضارة. لهذا اكتشفت فيما بعد أن الواقع الذي وصفه  ديستوفيسكي وهمنغواي وكافكا ومورافيا وبروست وجويس، ليس واقعنا، ومن العيب أن نستنسخ أشكال هذه التجارب ونصب فيها أدبنا. ولما وقفت على تجارب بعض عظماء أمريكا اللاتينية أمثال ماركيز و جورج أمادو وبورخيس، المتميزة عن تجارب أمريكا الشمالية وأوروبا فتحت شهيتي لإطلاق قيودي .
    وقد أثنى تقرير لجنة تحكيم الجائزة لهذه السنة – المكونة من الناقدة يمنى العيد والروائي نبيل سليمان- على هذا الأسلوب الذي اتبعته في كتابة الرواية، وهو دعم معنوي لي لمواصلة الطريق الصعب بثقة ومسؤولية.
    يبدو أنك ابتعدت عن قيود الذاتية؟ 
    الذاتية موجودة في أي نص أدبي، ولا مفر منها لأنها تلقي بظلالها ونكهتها، ولكن حين تصبح الذات محور العمل الأدبي ستصبح عائقا في طريق الكاتب اذا لم يكن متمرسا وماهرا في الكتابة، ليعجن هذا الذاتي ليصبح موضوعيا. سيكتب نفسه مرات ويسقط في وحل التكرار. والحقيقة، ماذا تساوي ذرة هذه الذات في هذا الكون الشاسع.
    رواية ”التراس/ ملحمة الفارس الذي اختفى” لا تتمحور حول الذات، ذات الكاتب ، إنما هي رواية موضوعية تحكي تجربة انسانية، تجربة أمة. لقد فاجأني بعض الأصدقاء لما اعتقدوا- قبل أن يقرأوها- أنها سيرة ذاتية، للأحداث والأهوال التي واجهتها في حياتي.  بصراحة، هذه الرواية سيرة موضوعية للكائن البشري المتناغم مع الطبيعة والكون الذي يعلم الناس والحيوان والنبات الحب والتسامي والعدل والحرية والثورة والمساواة، يعطي أكثر مما يأخذ. هذا التراس ليس أنا وإنما هو الذي أريد أن أكونه، عندما أتجاوز ذاتي لأصبحه. أنا أختلف عنه لكني أريد أن أصبح مثله ولا أذوب فيه، أنا أحترمه وأقدره. وبصراحة لما انتهيت من كتابة سيرته اكتشفت أنه لا يشبهني، بينما أنا الآن أريد أن أشبهه واستشهد بكلامه وبعض حكمه، وأسلك سلوكه. فهو قدوتي ومثلي الأعلى.
    تمنيت لو قرأت روايات ابراهيم الكوني قبل أن أكتب التراس، لأن الطاهر وطار لما سلمني احدى رواياته، قال لي أنا أرشّحه لجائزة نوبل وأستحي بعد اليوم أن أقول أني كاتب. ولكني شعرت بعد قراءة رواية الكوني أني اذا  قرأت كل رواياته قد أصبح يوما كاتبا. والحقيقة أنا لا أركض اليوم خلف لقب الكاتب إنما أريد أن أصبح تاجرا لأكمل كتابة ملحمتي في الواقع بالعرق، مثلما كتبت ملحمة التراس بالمداد.
     وكيف قرأ قرور التجارب الروائية الجديدة؟
    بداية التسعينيات كانت مرحلة لظهور تقليعة روائية هي الراهن. هذا الجيل الجديد أو المخضرم فاجأته الأحداث مثلما فاجأته التوقعات، لأنه جيل الإعلام بحكم ممارسته لهذه المهنة. هذه الفئة كانت مستهدفة من قبل مشروع التصفية لخلط الأوراق. وبحكم الضغط الذي كانت تعانيه والتغليط الذي كانت ضحيته، لجأت أسماء كثيرة إلى كتابة الرواية لمحاولة توصيف ما يحدث. الحقيقة أنها لم تستطع أن تمتلك الراهن لأنها بقيت رهينته. وسقطت ضحية الارتجال والنظرة الذاتية الأحادية، في توصيف الخوف الذاتي-. بينما بقي الآخر غائبا غامضا-  بعيدا عن هذا الذي أسميه التاريخ الافتراضي أو الواقع المفروض،  الذي تصنعه مخابر العولمة حيث ترتجل لنا المشاهد المسرحية الدرامية وتتركنا في مواجهة مصائرنا المحتومة.
    ليس عيبا أن يجرب هذا الجيل ويفشل، إنما العيب أن يتمادى في تكرار الفشل. بعد الفشل يأتي النجاح الباهر حتما.. سرني كثيرا، أنك كتبت رواية جميلة ”مرايا الخوف” فيها أشياء كثيرة هزتني وشعرت بها كواحد من ابناء الاستقلال رغم أنها فضلت الوصف الكلاسيكي .أتمنى أن أجد شه
    وة مفتي الأخيرة متميزة ومتجاوزة لتجربته، مثلما تميزت تجربة عز الدين جلاوجي في الرماد وتجربة الخير شوار في حروف الضباب ولحيلح في الكراف وغرمول في زعيم الأقلية. بالإضافة إلى تجارب أخرى أحترمها وأتوسم في أصحابها خيرا، أمثال سفيان زدادقة  والعيد بهلولي وسارة حيدر وعمارة لخوص والسعيد بوطاجين وعبد الحميد مغيش وفضيلة الفاروق وياسمينة صالح وابراهيم سعدي.

    المصدر :جريدة الخبر

    حاوره: حميد عبد القادر
    2008-01-14

    الجزائريون يقتحمون المدونات ويسألون: لماذا نحن أكثر احتشاما من العرب الآخرين؟

      ورد مقال بجريدة الشرق الاوسط للاخ الخير شوار وقد تكلم فيه عن المدونات وقد خص مدونتنا في مجمل كلامه ونحن بدورنا نشكر الاخ الخير شوار على مبادرته الطيبة هذه ونشكره بدورنا من على منبر مدونتنا فالف شكر اخي الخير واننا ننشر الجزء الذي خص به مدونتنا ولمن اراد ان يطلع على كامل الموضوع فما عليه الا الضغط على الوصلة اسفل الادراج .

    الجزائر: الخير شوار

    دخل الجزائريون عالم المدونات متأخرين بعض الشيء عن بقية اشقائهم في العالم العربي. ورغم ان بعضهم خطا خطوات مهمة وجريئة، إلا انهم مازالوا يشعرون بأنهم اكثر احتشاماً ومحافظة من غيرهم، وان ما في مدوناتهم لا تتناسب جرأته ومدى اتساع الأفق الذي منحتهم اياه التكنولوجيا، بينما ضنت به عليهم صحفهم ودور نشرهم محدودة العدد والتوزيع على المستوى العربي. لكن هذا النقد الذاتي الذي يوجهه الجزائريون لأنفسهم اليوم، لا يجب ان يحجب حقيقة اكبر وهي ان المدونات تحولت بالنسبة لأساتذة جامعيين وادباء وصحافيين وناشرين، ما يشبه الملاذ الآمن الذي بزيارته، يطّلع القارئ، على ما لا يمكن أن تبوح به الصحف والكتب الورقية…

    وليست كل مدونات الكتّاب الجزائريين نصوصا أدبية وشعرية، فمثلا هناك استثناءات كما هو الحال في مدونة الكاتب والصحفي كمال قرور الذي سبق له أن أسس دارا للنشر وأكثر من صحيفة أسبوعية، لكن ظروفا قاهرة جعلته يبتعد قليلا ثم يعود ببعض المشاريع الثقافية النظرية التي تحتاج إلى نقاش موسع. فمدونة كمال قرور التي تحمل عنوان «أفكار ضد الرصاص» تحتوي بالإضافة إلى بعض النصوص الأدبية والمقالات الصحفية الكثير من الأفكار المطروحة للنقاش التي نشر بعضها في الصحف الجزائرية لكنه لم يحظ بالنقاش الذي كان يبتغيه، وأخيرا اكتشف عالم المدونة. فقد كتب كمال في مدونته موضوعا للنقاش بعنوان «حتى تستمر الجزائر ثقافيا: مجلس المبادرة لصناعة المعرفة» ما يشبه البيان التأسيسي قائلا: «تعرف المؤسسات الثقافة الوطنية البيروقراطية عجزا كبيرا في إنتاج المعرفة وتوزيعها، بسبب التسيير السيء للهياكل وللطاقات البشرية وتبذير المال العام، لذلك لا يمكن ان نعول عليها مستقبلا في صناعة المعرفة، والأحسن ان نضع لها حدا حتى لا تستمر في هدر الطاقات واستنساخ الفشل. في ظل هذه العوامل المفتعلة لا يمكن ان نستمر في العبث بمصير أمة تريد ان يكون لها حضور إيجابي في الالفية الجديدة» ثم يفصّل في طرحه للموضوع الذي يقول إنه بدأ يأخذ طريقه للنقاش وهو سعيد بذلك وقد وجد في المدونة ما لم يجده في الصحف المكتوبة. لكن كمال قرور السعيد بنجاح مدونته والذي ينوي فتح جسور للنقاش مع مختلف أصحاب المدونات، يرى أن مدونات الكتّاب الجزائريين ما زالت دون المستوى ويقول: «إخواننا العرب قطعوا أشواطا كبيرة في هذا المجال، أما نحن فقد دخلنا هذا العالم متأخرين وبخطوات محتشمة» لكنه متفائل بمستقبل المدونات الثقافية الجزائرية مثلما هو متفائل بمستقبل النقاش حول أفكاره المبثوثة في المدونة والتي يحرص على تطويرها باستمرار. بعد كثير من التردد والانطواء على الذات بدأ الكثير من الكتّاب الجزائريين يتحولون إلى مدونين أنترنيتيبن، ولئن كانت هناك بعض الاستثناءات التي تحتاج إلى تنويه، فإن الطرح الموجودة في المدونات الجزائرية عموما ليس في مستوى الفضاء الحر الكبير الذي يضمره هذا العالم الجديد، لكنها البداية والأهم مازال في الأفق.

    وهذا هو رابط المقال

    http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&article=415532&issue=10368

    فهرس المدونة

    يسعدني أن أضع بين أيديكم هذه الخريطة التي توضح لكم الطريقة التي تم بها تنظيم المدونة, حتى نوفر على القارئ عناء البحث و نسهل عليه إيجاد ما يريده من خلال قراءة هذا الإدراج

    البث التجريبي لقناة كمال قرور keroukatv

    حكاية الجاحظ وما جرى له في مكتبات الجمهورية ..

    قصة: إضراب غير دستوري في مطبخ حاتم الطائي (ماكدونالد) العرب ..

    كيف تكون سطيف عاصمة الثقافة الوطنية؟

    المشروع الثقافي الهادف لجزائر الالفية الثالثة

    البوم صور حفل استلام جائزة مالك حداد بتقنية الفيديو

    رواية التراس

    الصحفي كمال قرور لاسبوعية المحقق

    الكاتب والروائي كمال قرور لوكالة اخبار الشعر العربي
    مقالات الصحافة الجزائرية حول الجائزة

    مالك حداد للرواية: بين فرحة توزيع الجوائز وإضافة دعم مضاعف للجائزة

    كمال قرور، الفائز مناصفة بجائزة مالك حداد للجزائر ينوز

    الروائي كمال قرور الفائز بجائزة مالك حداد في ضيافة النور

    كمال قرور الفائز بجائزة مالك حداد للرواية لـ”الخبر”

    انجازات 2007 على مستوى الثقافة والأدب في عين كمال قرور

    البوم الصور

    كمال قرور صاحب المدونة يحوز على جائزة احلام مستغانمي

    مجتمع جزائري جديد او الكارثة

    تاريخنا الافتراضي 2

    تاريخنا الافتراضي …

    شهادة ضد الريح .. الايام الادبية لمدينة العلمة

    عن ماركيتينغ الخطاب …. وصناعة المعرفة

    المشروع الثقافي الهادف لجزائر الالفية الثالثة

    حساد كتاب الطبخ وفقه الاستنجاء …

    الجعجعة والطحين …

    الدولة والبواطن ….تلك هي المهزلة ..

    صناعة ثقافية.. بديلة للسخافة

    عاصمة الثقافة العربية كيف تكون ؟

    صناع الثقافة بين الحرية والخبزة

    انت تفكر.. اذن انت تنتج ..

    هذا التاريخ .. ما اثقله

    ديموقراطية الموبيل

    انسحاب الملتاريا .. بداية السؤال المر ..

    ليس بالخبز وحده نحيا ..

    هذا الجيل الازرق .. دعوه يعمل .. دعوه يقرر

    بؤس السياسة .. بئس الثقافة ..

    الفعل المخل بالثقافة

    الحكومة تسرق المواطنين…

    معرض الكتاب الدولي وعقل الجزائري المهدور ..

    ليصمت الساسة .. وليتكلم المثقفون ..

    المثقفون شركاء وليسوا أجراء !

    مثقفون أم متثاقفون