الكاتب والروائي كمال قرور لوكالة اخبار الشعر العربي

 الكاتب والروائي كمال قرور :

 ( حتى لو لم تفز الرواية كنت سأحتضنها وأفتخر بها )

 كمال قرور كاتب ينحت في الصمت بعيدا عن ضوضاء الضوء ، بدأ يكتب في الخاطرة أول ما بدأ ، بعدها جرب الشعر قليلا وكتب نصوصا شعرية نشرها هنا وهناك في أوائل التسعينات ، بعدها لوح للكتابة بالقصة القصيرة وكتب قصصا قصيرة ، لكن كل هذه التلويحات كانت تشتغل أعمق لصالح السرد الطويل / الرواية ، وكل هذه التلويحات جعلته يعزف لحنه الأول في هذا الفن وهو ” التراس / الفارس الذي اختفى” ، هذا اللحن الذي نال إعجاب لجنة القراءة الخاصة بجائزة مالك حداد للرواية والتي اختارته ليكون هو فارس الجائزة هذه المرة مناصفة مع الكاتبة جزيرة النجدي. كمال قرور الذي كرم هذا الأحد 20/01/2008 بجائزة مالك حداد بحضور نخبة كبيرة من أهل الثقافة والأدب وبحضور مميز للكاتبة والناقدة اللبنانية يمنى العيد التي تحضر لأول حفل توزيع جائزة مالك حداد في دورتها الرابعة ، أيضا بحضور أحلام مستغانمي راعية الجائزة . لكن غاب الروائي نبيل سليمان لظروف صحية . في هذا الحوار يتحدث كمال قرور عن الجائزة وعن مالك حداد ويمنى العيد وعن التراس عمله الروائي الأول المتوج بالجائزة وعن أمور أخرى نكتشفها معا.

 

 

حـاورتـه / نـوّارة لـحـرش

 

 

**: فزت بجائزة مالك حداد للرواية لعام 2007، فهل جاءت الجائزة لتنصفك حقا، وهل كنت تتوقع أن تكون أحد الفائزين بها؟ وكيف تلقيت خبر الفوز؟

 

** كمال قرور : دعيني أشاكس قليلا حتى لا تفرضي علي منطقك فأجيبك قدر السؤال. بصراحة، أتمنى أن أنصف الجائزة وأشرفها بمواصلة تقديم الجديد والممتع في مجال الإبداع مثلما واصل الذين فازوا بها قبلي، حتى لا يعتقد الناس أن هذا الفوز المفاجأة، صدفة أو خطأ.

بصراحة، كنت متوقعا أن تحظى هذه الرواية بالاحترام و التقدير من قبل لجنة التحكيم، والحمد لله أنها فازت.. وحتى لو لم تفز كنت سأحتضنها وأفتخر بها. أنا لم أكتب هذه الرواية للصالونات أو للبريستيج الأدبي، ولم أقم بتجميلها لأظهر براعتي الأسلوبية والفنية، إنما هي أرادت أن تكون فكانت، راودتني سنوات فاستسلمت لها في لحظة إحباط  – وليس من عادتي الاستسلام – وكان بيننا ما كان. أتمنى أن تعجب النقاد وتعجب القراء أيضا..وتضيف شيئا جديدا للرواية الجزائرية والعربية.

 

** : يمنى العيد هي واحدة من لجنة التحكيم،فهل يعني هذا أنك محظوظ لأنها كانت قارئة بتمعن للرواية ، وللفارس/ التراس ؟

 

** كمال قرور : أنا والحظ متخاصمان منذ مدة طويلة، كنت حين أدق بابه لا يفتح، وحين يدق بابي يجدني نائما أو مشغولا بأشياء أخرى، تشغلني عنه. ولكنه صالحني هذه المرة، وعوضني عن السنوات الصعبة التي إقتنعت فيها أني غير محظوظ ولا أصلح لشيء. الحقيقة أني سررت كثيرا لأن الناقدة يمنى العيد كانت في لجنة القراءة وهي ناقدة معروفة في الوطن العربي ولها مساهمة كبيرة في النقد الأكاديمي، وكنا في الجامعة ندرس كتبها. وسرني أكثر أن يحظى هذا العمل الأدبي التجريبي بقبولها وبقبول الروائي نبيل سليمان ،لا أخفي عليكِ :عندما قرأتُ تقريريهما شعرت بالراحة وبالمسؤولية لأنهما أعطياني الضوء الأخضر لبداية المشوار الصعب. مشوار الكتابة الذي ظللت لعقود أتهرب منه.

 

** : أخبرتني أنه تم تغيير العنوان من التراس وهو العنوان الرئيس إلى ملحمة الفارس الذي اختفى وهو العنوان الهامشي ، كيف تنظر إلى هذا الحذف الذي مس العنوان ؟

 

** كمال قرور : في أعراف النشر، من حق الناشر أن يغير العنوان إذا كان لا يحقق الرواج المطلوب، وأنا متفهم جدا، لموقف الأصدقاء في الإختلاف،لأن الرواية ستصدر في لبنان وتوزع في البلاد العربية، لكننا قبلنا الحرافيش ، وميرامار، والمتشائل واخطية بصدر رحب . ولكن السياق الذي كتبت فيه هذا العمل/ التراس / كان خاصا جدا.لقد كان العنوان حكاية الفارس الذي اختفى ، ثم تطور إلى ملحمة الفارس …ولما وصلت إلى التراس كأنما اكتشفت مركز الكون وربما طرت فرحا مثل ذاك الذي راح يصرخ يوريكا يوريكا.لأنه أعطاني البعد الجمالي الذي كنت أبحث عنه وأعطاني نفس الكتابة . لقد عدت إلى الحكاية الشعبية العربية، مستعيرا شكلها الفني من أجل تأصيل هذا الشكل الأدبي ، وانطلقت من خصوصية هذه المنطقة العربرية – على رأي صديقي الشاعر ناصر معماش – لتأكيد الإنتماء المغاربي إلى الفضاء العربي منذ فجر التاريخ حيث لن يستطيع أحد أن يبتر هذا الانتماء .وبحكم أني الوارث لهذا الشرق الثقافي ،كان علي أن لا أعيد بضاعته إليه مثلما فعل أسلافنا القدامى ظانين خطأ أن ذاك دورهم. إن الفضاء المغاربي الذي استطاع اليوم أن يصدر الفلسفة إلى المشرق حان الوقت أن يتجاوز مرحلة الاجترار لينتج خطابا أدبيا جديدا يغذي الخطاب العربي ويغنيه. 

 

 

** : قلت لي بأن هذا العمل ما هو إلا فرقعة أولى و صغيرة ،فهل يمكن أن تحدثنا عن الفرقعات الأخرى ؟

 

** كمال قرور : رجاء لا تورطيني ،لأكشف أوراقي منذ البداية.هذه الفرقعات إذا حدثتك عنها  كثيرا وهي غير مكتملة قد تصبح فقاعات،وأنا لا أريدها أن تكون كذلك . العمل عندي لا يكتمل حتى عندما أضع نقطة النهاية، فقد ألغيه وأعيده مرة أخرى.ورغم ذلك أتمناها أن تكون فرقعات حقيقية تعيد النظر في الأشياء وتقدم الشيء الجديد الذي يبحث عنه القاريء العربي .. 

 

** : ماذا تحكي رواية الفارس أو التراس ، هل لنا أن نعرف بعض أجواءها ؟

 

** كمال قرور : تلخيص عمل أدبي قد يكون ممتعا للقاريء والناقد معا، لكنه في الحقيقة،عقاب  كبير لكاتبه . التراس الذي يُعلم الناس كيف يحبون بعضهم ويحبون وطنهم ويحبون الحرية والعدالة والحق والنبات والحيوان والأشياء ، ويعلمهم كيف ينتصرون على الخوف الذي يسكنهم، هؤلاء هم الناس الذين خانوه بعد الثورة حيث اختفى في ظروف غامضة . نسي الناس مبادئه التي علمهم أياها وتخلوا عن حبيبته وتركوها تواجه تحرشات وجهاء البلاد الذين تقاتلوا فيما بينهم للظفر بها، بينما ظلت هي وفية لحبيبها المختفي .الرواية إنتصار للمرأة ، للشرف، للحب الإنساني بمفهومه الواسع ، للكرامة ، للتسامح ، للمعرفة ، للبطولة والتضحية. وإدانة للاستبداد والخيانة والجبن والاتكال والجهل والأنانية ..

 

 ** : سيصدر لك قريبا كتاب ضمن تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية فماذا تقول عنه ؟

 

** كمال قرور : الكتاب هو “خواطر الحمار النوميدي”، وهو في الحقيقة مقال صحفي بعثته أثناء الأزمة إلى إحدى الجرائد الوطنية لأوضح موقفي من كل ما يحدث. كنت رافضا لكل ما يحدث في البلاد وما يحدث للعباد، لكن المقال لم ينشر ولما استفسرت الأصدقاء قالوا لي : أنت مهبول ، هذا كلام خطير ولا ينشر.. فجاءت الفكرة وهي أن أنسب هذه الأفكار الخطيرة إلى حمار محلي. لكن المقال تطور إلى شكل فني آخر. حيث يقوم هذا الحمار النوميدي برحلة عجيبة للوصول إلى الحاكم ليبلغه تلك الرسالة وكان عليه أن يمر بالمير والكوميسار وزعيم السانتيكا وزعيمة النسوان وأمين الكتاب والجنرال ليأخذ التصريح بمقابلة الحاكم ، وكان في كل محطة يجد المسؤولين غارقين في مشاكل ، فيساهم بحنكته في الحلول، ويأخذ التصريح ويواصل طريقه .

 

** : سلمت روايتك الفائزة بجائزة مالك حداد للروائي الطاهر وطار كي يبدي رأيه فيها وفي الخط الكتابي الذي انتهجته فيها و الذي ترى أنك تريثت كثيرا قبل المغامرة فيه لأنك رأيت أنه غرائبي بعض الشيء ، لماذا وطار تحديدا ، و ما هي ملامح هذا الخط ؟

 

** كمال قرور : الحقيقة أنني سلمت المخطوطة إلى مجموعة من الأصدقاء لقراءتها ومن بينهم الروائي الكبير الطاهر وطار الذي أحترمه كثيرا، لأنه نموذج للمثقف الفعال الذي يبادر ولا ينتظر الآخرين، وله مواقف كثيرة شجاعة. وإضافة إلى ذلك، هو كاتب معروف له أسلوبه ومدرسته، إشتهر بانتمائه إلى الواقعية الاشتراكية وانتهى إلى التجريب،.ومعظم الكتاب الجزائريين خرجوا من معطفه أو برنيطته أو وكره الجاحظية وأنا أجد جذوري الأدبية في روايته الحوات والقصر. العودة إلى النبع العودة إلى الحكاية.وأجمل كتاب قرأته للطاهر وطار، هو وطار نفسه، وطار الشخص البسيط في تواضعه ، حديثه وسخريته وفعاليته، ونكته وأمثاله، حكاياته ، تواريخه ، دراية بالمكان ، ومعرفته للأشخاص.لهذا يهمني أن أعرف رأي وطار في عملي المتواضع بدون مجاملة.

 

** : ماذا تقرأ الآن ؟

 

** كمال قرور : الحقيقة أن الطاهر وطار هو من سلمني رواية الكوني “بيت في الدنيا وبيت في الحنين”  وقال لي هذا الكاتب يستحق جائزة نوبل للآداب.ولما قرأت الرواية أعجبتني كثيرا وخاصة لغتها الشيقة وعالمها الغرائبي الباهر. واحتفائها بالمكان وبخصوصيته، صراحة تمنيت أن أمتلك ناصية اللغة الراقية التي امتلكها هذا الكاتب البارع. وبعد الانتهاء منها قرأت دفعة واحدة رواية حميد عبد القادر ” مرايا الخوف ” ورغم أن حميد فضل الأسلوب الوصفي الكلاسيكي إلا أن ثقافته السياسية ودرايته بملفات الحركة الوطنية وثورة التحرير استطاع أن يعود إلى الذاكرة بسرد الحكايات ليكشف لنا الفظائع المسكوت عنها وصاغها في قالب فني جميل . 

 

** : في الأخير ماذا يقول التراس عبر نافذة هذا الحوار لروح مالك حداد الذي أنصفك بجائزته و للقاريء و لكمال قرور أولا و أخيرا .

 

** كمال قرور : رغم ما قدمه هذا الكاتب الكبير من أدب عذب ورقيق إلا أنه رحل في صمت .كم نحتاج اليوم إلى تفاصيل سيرته ودراسات عميقة عن أدبه.. شكرا للأستاذ بوطاجين الذي ترجم روايته الانطباع الأخير والأستاذ عبد السلام يخلف الذي ترجم ديوانه الشقاء في خطر. شكرا لأحلام مستغانمي التي أثثت رواية ذاكرة الجسد بكبريائه وشموخه ثم فكرت في إحياء روحه في هذه الجائزة المحترمة وشكرا للاختلاف التي جعلت هذا الحلم الجميل واقعا ملموسا وشكرا للتلفزيون الجزائري الذي يساهم في دعم هذه الجائزة .

في الأخير،أقول للقاريء العزيز: أتمنى من أعماقي أن تجد ضالتك في هذه الرواية وفيما أكتبه مستقبلا .

وأقول لنفسي: الجائزة ليست نهاية المطاف وليست قمة المجد ، إنها البداية لرحلة طويلة. أعترف الآن أني بدأت أتعلم الكتابة في الأربعين ولا يهمني إلى أي جيل أنتمي.. كم أشعر أني خارج لعبة الأجيال ..

 

حـاورته / نـوّارة لـحـرش

المصدر

أضف تعليق