حاجتنا إلى فضائية إخبارية دولية

التعدد أو التبدّد

نثمن الخطوة التي خطاها المدير الجديد للإذاعة الوطنية، السيد عز الدين ميهوبي، بإنشاء قناة إذاعية جزائرية إخبارية دولية· ورغم أن الخطوة جاءت متأخرة بعض الشيء، لكن وجودها أفضل من عدمه· ومن أعماقنا نتمنى أن تكون المبادرة فعلا إعلاميا استراتيجيا يخدم الدولة الجزائرية، ولا مجرد رد فعل للتباهي وما أكثر ردود أفعالنا المنفعلة·
إضافة إلى هذا المشروع السمعي الواعد، نؤكد للمسؤولين المعنيين، بأننا اليوم، في حاجة إلى فضائية إخبارية دولية في مستوى: الجزيرة والعربية وسي أن أن··· والحرة··
واعني بذلك قناة احترافية بمعنى الكلمة قادرة على المنافسة، تكمل بقية الفضائيات وتسد النقائص، وتطرح البدائل، تراهن على الكفاءات البشرية التي نحسد عليها وليس شيئا آخر·
أسوق هذا الكلام بعد أن تعافت بلادنا من صدمة الديمقراطية وما تبعها من أشكال العنف، التي كادت تعصف بالدولة الجزائرية، وهي تحاول جاهدة، في ظل حكم السيد بوتفليقة، أن تعود إلى مكانتها الإقليمية والدولية· إن حضور بلادنا اليوم في القنوات الإعلامية العربية والدولية حضور مشوش وباهت ومرتجل لا يكاد يحفل إلا بالسلبيات وبقايا العنف والدم· فبعد أن كنا رائدين في بناء الدولة الديمقراطية النموذجية في العالم العربي، التي تسمح بتداول السلطة سلميا، لم يغفر لنا الأشقاء هذا الشرف، ومازالوا يصطادون أخبارنا السيئة لترسيخ الصورة السلبية للدولة الدموية في الأذهان العربية حتى يستمر السبات السياسي العربي إلى الأبد تمهيدا لظهور نظرية التوريث الديمقراطي للحكام العرب حفاظا على الاستقرار والتنمية المنعدمة· بعد أن عانت منطقة المغرب العربي، والجزائر خاصة من التهميش الإعلامي ها هي، اليوم مستهدفة من قبل فضائيات بعضها عينه على السياسة وبعضها على الثقافة وبعضها الآخر على الربح المضمون· وتكون مشاريع أم بي سي، وروتانا وقروي، وميدي1 وغيرها التي أعلنت عن نفسها، تندرج في هذا المجال الذي نعنيه، كل في مجال اهتمامه، ليس عيبا أن يبادر هؤلاء لاستغلال الفراغ، وليس من حقنا أن نكون ضد مشاريعهم ما دمنا من دعاة التعدد، لكن العيب أن نبقى تفرج ولانقوم بالمبادرة·
إن منطقتنا غنية ثقافيا وحضاريا، لكنها همّشت نفسها لما لم تواكب التطور الحاصل في الأوساط الإعلامية الحديثة· والحقيقة أن أشقاءها قد تداركوا الموقف، لكنا تعثرنا لأسباب سياسية، وهي رفض السلطة للانفتاح الفضائي على المبادرات الحرة أو الشراكة· وقد أكد ذلك في المدة الأخيرة السيد حمراوي حبيب شوقي مدير التلفزيون، وابدى تحمسه للتعددية· فالكرة الآن في مرمى السلطة بعد أن أصبح هناك إجماع حول التعددية الإعلامية الفضائية· علينا أن نتعدد اليوم قبل أن نتبدد  غدا· إن الفضائية الإخبارية التي نأمل أن نسارع إلى إطلاقها لتفعيل دبلوماسيتنا ووجودنا في المحيط الإقليمي والدولي، تستطيع أن تتألق في شمال افريقيا وتخدم الجزائر نفسها والمغرب العربي وتربطنا بأشقائنا العرب وبجيراننا في المتوسط وبجاليتنا في أوروبا وأمريكا· تستطيع هذه الفضائية أن تخدم اقتصادنا وسياستنا وأفكارنا وأيديولوجيتنا والقناعات التي نؤمن بها، وتدافع عن قضايانا الوطنية والقومية، وتظهر الوجه المشرق لجزائر الثقافة والحضارة والسياحة· بواسطة هذه القناة الفضائية نفعل ديبلوماسيتنا الفضائية عن طريق رجال الإعلام، أصحاب الخبرة والكفاءة، بعد أن فشل الديبلوماسيون الأرضيون البيروقراطيون، حيث أصبحت مناصبهم تشريفية للراحة والتشمس·· أو تقاعدا مسبقا· إن تمويل هذه القناة التي قد تكون عامة أو بالشراكة مع القطاع الخاص، والشراكة أفضل حل، يكون سهلا من طرف سوناطراك /أفضل من إنشاء قناة خاصة بها/، ومن استقطاب للإشهار المحلي والدولي·

2006-10-23 نشرت بجريدة الخبر بتاريخ 

 

 

حتى تستمر الجزائر ثقافيا: مجلس المبادرة لصناعة المعرفة

تعرف المؤسسات الثقافة الوطنية البيروقراطية عجزا كبيرا في إنتاج المعرفة وتوزيعها، بسبب التسيير السيء للهياكل وللطاقات البشرية وتبذير المال العام، لذلك لايمكن ان نعول عليها مستقبلا في صناعة المعرفة، والأحسن ان نضع لها حدا حتى لا تستمر في هدر الطاقات واستنساخ‮ ‬الفشل‮.‬ في ظل هذه العوامل المفتعلة لا يمكن ان نستمر في العبث بمصير أمة تريد ان يكون لها حضور إيجابي في الالفية الجديدة. اننا نحتاج الى تجاوز الأمر الواقع، لانه ليس قدرا محتوما، بل عندما تتوفر النية الحسنة والارادة القوية والفعالية المطلوبة سيكون القطاع اكثر مردودية‮ ‬اذا‮ ‬قام‮ ‬بنقد‮ ‬ذاتي،‮ ‬واعاد‮ ‬تنظيم‮ ‬نفسه‮ ‬بنفسه‮ ‬وفق‮ ‬استراتيجية‮ ‬مدروسة،‮ ‬بعيدا‮ ‬عن‮ ‬الحساسيات‮ ‬المفرطة‮ ‬والمزايدات‮ ‬الباطلة‮ ‬والشطحات‮ ‬المخبولة‮.‬‭ ‬‮ ‬

الحقيقة ان الهياكل، والطاقات المبدعة الفاعلة، في الداخل وفي الخارج، والوسائل التكنولوجية لا تنقصنا، إن ما ينقصنا هي المؤسسة التنظيمية الحديثة التي ينبثق من مجهودات تفكيرها المشروع الثقافي ـ المعرفي الاستراتيجي الهادف، والتسيير الحديث للطاقات البشرية… المتمثل‮ ‬في‮ ‬الهيكل‮ ‬التنظيمي‮ ‬الجديد‮ ‬مجلس‮ ‬المبادرة‮ ‬لصناعة‮ ‬المعرفة‮ ‬والذي‮ ‬ندعو‮ ‬كل‮ ‬المخلصين‮ ‬لبلورة‮ ‬فكرته‮ ‬الطموحة‮ ‬ليصبح‮ ‬واقعا‮ ‬ملموسا‮ ‬بقليل‮ ‬من‮ ‬التضحيات‮ ‬والصبر‮ ‬والمثابرة‮…‬

ماهو؟‮ ‬
– هو مجلس ديموقراطي متعدد الأصوات، منتخب من قبل المجتمع المدني: الجمعيات الثقافية، والجامعات والمعاهد ومراكز البحث والاشخاص الفاعلين في الحقل الثقافي الذين لهم اسهامات وخبرات في هذا المجال ولهم قناعات ايديولوجية وعقائدية مختلفة. يفكرالمجلس بصوت مسموع في اطار‮ ‬قوانين‮ ‬الجمهورية‮ ‬والمبادئ‮ ‬الانسانية‮.‬‭ ‬‮ ‬

لماذا‮ ‬المجلس؟
– أهمية المجلس في هذه المرحلة تتمثل في: تدعيم الخطوة الديموقراطية، وذلك بإشراك المجتمع المدني في الاستشارة وفي الفعل المعرفي والمبادرة المعرفية، بعيدا عن الانفعالية والافتعال، وهذا بفتح فضاء للحوار والاختلاف والتسامح بين المبدعين والمنتجين الثقافيين بعيدا عن كل الضغوط، والحؤول دون هيمنة جهة معينة وتهميش وإقصاء الآخرين لاعتبارات جهوية أو إيديولوجية، هذه السلوكات التي تراكمت ايام المحنة الاحادية وفي زمن التعددية، للأسف، فقتلت الابداع وشجعت الرداءة وخلقت المقاولين الثقافيين المنتفعين من المال العام لحسابهم الخاص‮.‬

ما‮ ‬هو‮ ‬دوره؟
– دور المجلس هو: إحصاء عدد المنتجين الثقافيين داخل الوطن وخارجه، في شتى المجالات، وتوفير بنك معلوماتي للمادة الرمادية يلجأ اليها عند الضرورة وفي وقت سريع، ثم التخطيط للمشروع المعرفي المستقبلي وتوجيه الطاقات الفاعلة وحمايتها والدفاع عن حقوقها…

ماهو‮ ‬هدفه‮ ‬؟
هدفه هو فتح الورشة الثقافية طيلة السنة لترقية الإبداع المعرفي، من فعل فردي معزول متقطع، الى عمل جماعي ـ صناعي متواصل، متفاعل له مردوده، ويلبي حاجيات المواطنين… ويتحقق ذلك بمساعدة الاعضاء النشطين فيه والبحث عن المواهب، عن طريق المسابقات وغيرها من الوسائل الفعالة، في كل مجال، ومساعدتها على تفتيق طاقاتها وتفعيل الساحة الثقافية على مدار السنة حتى لا تبقى الأمور تسير عشوائيا ومناسباتيا فقط. وكذلك تأسيس نواة أفقية محلية ثم عمودية وطنية في إطار هذه الورشة لتأسيس صناعة معرفية جادة قابلة للاستهلاك وطنيا وقابلة للتصدير‮ ‬وقادرة‮ ‬على‮ ‬منافسة‮ ‬المنتوج‮ ‬الغربي‮.‬

ماهي‮ ‬وسيلته؟‮ ‬
وسيلته هي الدعم والتحفيز والمحاسبة، بالإشراف على ترشيد توزيع الميزانية السنوية الخاصة بالمعرفة وإنفاقها في مكانها حتى يعود نفعها على المجتمع، وليس تبذيرها وبعثرتها شمالا ويمينا حيث لا تنفع إلا أشخاصا معينين… وهكذا يعاد لمال المعرفة دوره فيصبح استثمارا منتجا‮. ‬

ممّ‮ ‬يتكون؟
يتكون‮ ‬من‮ ‬رئيس‮: ‬منتخب‮.‬
ومن‮ ‬نائب‮ ‬رئيس‮: ‬ينسق‮ ‬مع‮ ‬الرئيس‮. ‬
وأمين‮ ‬المال‮. ‬
ومن‮ ‬أعضاء‮ ‬منتخبين‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬جمعيات‮ ‬وجامعات‮ ‬ومراكز‮ ‬البحث‮ ‬أو‮ ‬معينين‮ ‬بإجماع‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬زملاء‮ ‬لهم‮ ‬ينشطون‮ ‬في‮ ‬مجال‮ ‬معيّن‮ ‬من‮ ‬مجالات‮ ‬المعرفة‮ ‬والإبداع‮. ‬

ماهي‮ ‬مجالات‮ ‬اهتمامه؟‮ ‬
الأدب‮ ‬والفكر،‮ ‬العلوم،‮ ‬التاريخ،‮ ‬الرسم‮ ‬بأنواعه،‮ ‬النحت،‮ ‬الرقص‮ ‬العصري‮ ‬والشعبي،‮ ‬المسرح‮ ‬الموسيقى،‮ ‬السينما‮ ‬والتصوير‮ ‬والفيديو،‮ &#82
36;الاختراع،‮ ‬المعلوماتية،‮ ‬الإعلام،‮ ‬الاتصال،‮ ‬الديكور،‮ ‬الفن‮ ‬المعماري‮… ‬الاثار‮… ‬إلخ‮.‬

ماهو‮ ‬برنامجه؟
برنامج المجلس يأتي بعد الانتخابات مباشرة، حيث يقوم كل قطاع محلي بتقديم تصوره لحقل عمله وبعدها تجمع التصورات وطنيا وتدرس وتناقش للخروج بزبدة الاجتهادات وعلى ضوئها توضع الخطوط العريضة للعمل المستقبلي وتحدد الأهداف والمراحل والإمكانات وتقتطع لها الميزانية اللازمة‮. ‬ثم‮ ‬يبقى‮ ‬المجلس‮ ‬يتابع‮ ‬العمل‮ ‬حتى‮ ‬يتم‮ ‬إنجازه‮.‬

التمويل‮:‬
‮ ‬‭- ‬يمول‮ ‬المجلس‮ ‬من‮ ‬ميزانية‮ ‬الدولة‮ ‬السنوية‮. ‬وتكون‮ ‬نسبة‮ ‬محترمة‮ ‬نظرا‮ ‬لحساسية‮ ‬دوره‮ ‬وريادته‮ ‬في‮ ‬العبور‮ ‬بالمجتمع‮ ‬الحالي‮ ‬الى‮ ‬المجتمع‮ ‬المعرفي‮ ‬المستقبلي‮… ‬ نسبة من عائدات سوناطراك، ليساهم ريع النفط في ردم الفجوة بين المجتمع الحالي والمجتمع المعرفي المنشود لتدارك فشل السياسات التصنيعية الوطنية السابقة التي استهلكت أموالا طائلة دون ان تحقق شيئا من التنمية والرفاهية…
‭- ‬هبات‮ ‬وتبرعات‮ ‬المحسنين‮: ‬يجب‮ ‬تغيير‮ ‬ذهنية‮ ‬الناس‮ ‬بأن‮ ‬الفعل‮ ‬الخيري‮ ‬يجوز‮ ‬في‮ ‬العلوم‮ ‬والمعارف‮ ‬التي‮ ‬تساهم‮ ‬في‮ ‬ترقية‮ ‬المجتمع‮ ‬ولا‮ ‬تقتصر‮ ‬على‮ ‬بيوت‮ ‬العبادة‮ ‬فقط‮… ‬
‮ ‬‭-‬‮ ‬سبونسور‮ ‬الشركات‮ ‬الكبرى‮: ‬تحفيز‮ ‬الشركات‮ ‬للمساهمة‮ ‬بالسبونسور‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬القطاع‮ ‬بخفض‮ ‬ضرائبها‮ ‬وتقديم‮ ‬امتيازات‮ ‬لها‮.

تم نشر المقال بجريدة الشروق اليومي الجزائرية بتاريخ 27/02/2007

 2007/01/18 وتم نشره بموقع ضفاف بتاريخ

تاريخنا الافتراضي …

 ليس غريبا أن يبدأ محور موسكو ـ واشنطن عامه الجديد بالتهاني والألعاب النارية السلمية، بينما يستهل محور طانجا ـ جاكارتا عامه الجديد، الذي يصادف أغلى أعياده الدينية، بالتعازي والانفجارات والمجازر والسيارات المفخخة والمشانق البربرية أيضا. اننا‮ ‬نحصد‮ ‬ثمن‮ ‬دخول‮ ‬التاريخ‮ ‬خطأ‮…‬
كان بإمكان هذه الأمة أن تدخل التاريخ الحديث والمعاصر بإرادتها وبثقافتها وقيمها، وتقدم مشروعا متكاملا لأبنائها ورسالة نبيلة للعالم، لكنها قدمت استقالتها عن الإبداع، ولم تستطع حتى الظهور على مسرح الحضارة.

وظلت ترقد في ظل التاريخ الوسيط نومة أهل الكهف، مستسلمة‮ ‬للأحلام‮ ‬والأمجاد‮ ‬التليدة‮…‬ حتى‮ ‬جاء‮ ‬الآخر‮ ‬ليقدمها‮ ‬للعالم‮ ‬بطريقته‮ ‬ووفق‮ ‬رؤيته‮. ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬قام‮ ‬بحفريات‮ ‬معرفية‮ ‬في‮ ‬تاريخها‮ ‬وموروثها‮ ‬وأعاد‮ ‬ترميم‮ ‬هيكلها‮ ‬وذاكرتها‮ ‬الجمعية‮ ‬ورعاها‮ ‬في‮ ‬مرحلة‮ ‬الولادة‮ ‬والنقاهة‮ ‬ثم‮ ‬مرحلة‮ ‬النهوض‮.‬ ولهذا نحن موجودون اليوم بإرادة هذا الآخر، وبتصوره، وليس بإرادتنا وتصورنا. فبعد أن درسنا في مختبره وأجرى علينا التجارب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، أصبح يعرف سلوكنا وعاداتنا ويتحكم فيها، وبالتالي استطاع أن يصنع لنا وجودنا ومستقبلنا ومصيرنا…

وبعد نهاية مرحلة الاستعمار وخيبات الاستقلال، تكفلت بنا أمريكا، بعد أن برعت في صناعة الالعاب الافتراضية، أرادت أن تجربها على الشعوب، فأدخلتنا مخبر التاريخ الافتراضي لتصنع لنا تاريخنا وأبطالنا ورموزنا ثم تقتلهم الواحد بعد الآخر بطرق بشعة على شاشة التلفزيون، ولم‮ ‬يبق‮ ‬لنا‮ ‬سوى‮ ‬هامش‮ ‬صغير‮ ‬لرد‮ ‬الفعل‮ ‬العاطفي‮ ‬الجيّاش‮ ‬غير‮ ‬العقلاني‮ ‬لنثبت‮ ‬بالصورة‮ ‬والصوت‮ ‬للرأي‮ ‬العام‮ ‬العالمي‮ ‬ما‮ ‬أراده‮ ‬لنا‮ ‬الماكرون‮. ‬أننا‮ ‬أمة‮ ‬بربرية‮ ‬متخلفة‮ ‬تستحق‮ ‬السخرية‮ ‬والرجم‮ ‬والردم‮…‬ لقد اتضحت معالم هذا التاريخ الافتراضي المعاصر، في حرب أفغانستان، التي انهكت روسيا وهدمت سور برلين لتوحد طرفي الغرب ليعود للحضارة الغربية توازنها وبريقها وتوهجها وسطوتها لتسمح لنفسها أن تمد رجليها مرة أخرى على العالم العربي لفرض حمايتها ووصايتها.

القتل‮ ‬على‮ ‬المباشر‮:‬
أصبح شيئا عاديا، ذبح أحد رموزنا الافتراضيين على المباشر وبالتفصيل الممل لقياس درجة انفعالنا وهمجيتنا. وجاء شنق صدام يوم العيد، مفزعا نوعا ما، ربما لأنه ـ في اعتقادي ـ أعاد للوعي الجمعي صورة اسماعيل الذبيح قبل أن يفديه ربّ السماء بذبح عظيم. فأفسد هذا السلوك‮ ‬المستهجن‮ ‬على‮ ‬الناس‮ ‬أكل‮ ‬لحم‮ ‬الخراف‮ ‬بشهية‮…‬

هذا‮ ‬حال‮ ‬الذاكرة‮ ‬المفجوعة‮ ‬المبتلية‮ ‬بالنسيان‮.‬‭..‬
قبله قتل طفل بريء اسمه الدرّة، قيل إن الرصاصة كانت تتجول فأصابته خطأ، وقتل المجاهد الزرقاوي ـ الذي لا نعرفه ـ بعد أن ضاقت به مجازر بغداد وأخلط أوراق المقاومة الشريفة، وقتل الزعيم الثوري عرفات محاصرا على كرسي حكمه الذي اختاره لنفسه قبل أن يلفظ آخر أنفاسه على وسادة وثيرة في مستشفى الرؤساء بباريس. وكاد بلد أفغانستان يمحى بالقنابل الذكية والغبية من أجل رجل غامض كان يوما رجل المخابرات الأمريكية ثم أصبح فجأة عدو أمريكا في الظاهر وهو ـ في السر ـ وكيلها المعتمد وسفير نواياها السيئة لاستشعار العدو المفترض، اسمه إن لم‮ ‬تخني‮ ‬الذاكرة‮ ‬إبن‮ ‬لادن‮.‬

الفرس‮ ‬قادمون‮…‬
ليس غريبا، في زمن التاريخ الافتراضي، أن يحارب القوميون جميعا نيابة عن السيد الأمريكي والغربي إيران الاسلامية في حرب الخليج الاولى، تحت شعار زائف »القادسية« ويهدموا قدرتها الاقتصادية والعسكرية بعد نجاح ثورة الخميني… ولما كانت إيران تملك عالم الأفكار استطاعت‮ ‬أن‮ ‬تبني‮ ‬نفسها‮ ‬بسرعة‮ ‬وتستعيد‮ ‬قوتها‮ ‬وعافيتها‮ ‬مثل‮ ‬العنقاء،‮ ‬في‮ ‬حين‮ ‬كان‮ ‬القوميون‮ ‬متمسكين‮ ‬بعالم‮ ‬الأشياء‮ ‬فخسروا‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬وذهبت‮ ‬ريحهم‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬ربحوا‮ ‬معركة‮ ‬وهم‮ ‬يعرفون‮ ‬أن‮ ‬الحرب‮ ‬سجال‮…‬ ماذنب إيران إن كانت لها رسالة تنويرية لإعادة المجد العباسي الذي سمح باختلاط الأعراق والأفكار وأعطى الفرصة للنبوغ والإبداع بعد أن نجحت الدولة الأموية في فتوحاتها العسكرية وعجزت عرقيتها عن إنجاب سوى نقائض الهجاء بين جرير والفرزق، كما عجزت القومية العربية الحديثة المفبركة تحت تأثير التنويم المغناطيسي، عن إيجاد مشروعها النهضوي الجاد غير التناحر بين قبائلها والتفاخر بي
هما بما تراكم في خزائنها من عائدات النفط، ماذنب إيران إن أرادت أن تملأ الفراغ في الشام والحجاز وشمال افريقيا، وهي تراه امتدادا حضاريا طبيعيا ومجالا‮ ‬حيويا‮ ‬للسيطرة‮ ‬وتحصين‮ ‬نفسها‮…‬؟

وليس‮ ‬غريبا‮ ‬أن‮ ‬ينصب‮ ‬الفخ‮ ‬للزعيم‮ ‬القومي‮ ‬صدام‮ ‬في‮ ‬الكويت‮ ‬ـ‮ ‬وهي‮ ‬صناعة‮ ‬الاستعمار‮ ‬الانجليزي‮ ‬ـ‮ ‬فيتكتل‮ ‬أبناء‮ ‬العمومة‮ ‬مع‮ ‬البرّاني‮ ‬ضد‮ ‬أخيهم‮ ‬الطاغية،‮ ‬متناسين‮ ‬موروثهم‮ ‬القديم‮ ‬أنا‮ ‬وابن‮ ‬عمي‮ ‬على‮ ‬الغريب‮. ‬ وهنا يصبح السناريو الجديد جاهزا، احتلال بلاد الطاغية بعمالة وتواطؤ أبناء العم، ولما كان العروبيون الأمويون الجدد لا يحسنون سوى التآمر على بعضهم كان تنفيذ السيناريو أسهل… وكانت لهم الحرية المطلقة لاختيار العمالة والتواطؤ كل حسب براعته ومقدرته…

مهزلة‮ ‬الكاريكاتير‮ ‬
هل تذكرون حرب الكاريكاتير التي اندلعت في الدانمارك فأجّجت مشاعر المسلمين، يومها نظم الفارسيون الايرانيون أو الشيعة. كما يحلو للوهابيين أن ينعتوهم، مسابقة لرسم الهولوكوست لامتحان مدى صبر الغرب الصهيوني على حرية التعبير، فكانت فكرة عقلانية وصائبة وأصابت الآخر في الصميم، بينما اقترح السذج من إخواننا العروبين الأمويين الجدد، مقاطعة الجبن والزبدة والشوكولاتة الدانماركية وظلوا يستهلكون بديلها من البضائع الفرنسية والسوسرية والإيطالية والإمريكية، وكم كان الموقف مخزيا… هذه‮ ‬الجزئية‮ ‬والذرية‮ ‬في‮ ‬التفكير‮ ‬هي‮ ‬سبب‮ ‬خراب‮ ‬الدويلات‮ ‬القومية‮ ‬وتوقفها‮ ‬عن‮ ‬صنع‮ ‬تاريخها‮ ‬الحقيقي‮ ‬واستسلامها‮ ‬للآخر‮ ‬ليكتب‮ ‬لها‮ ‬تاريخها‮ ‬الافتراضي‮ ‬حسب‮ ‬تصوره‮ ‬وأهدافه‮.‬ عندما اشتد حماس القوميين الأمويين الجدد لنصرة النبي محمد الذي أساء إليه الكاريكاريست الدانماركي، سلط الإعلام ضوءه عليهم لينتبه الرأي العام الغربي من غفوته إليهم، في الوقت نفسه، اشتعلت نار التعصب بين السنة والشيعة في العراق بتفجير أماكن العبادة والتعرض السافر للأشخاص والممتلكات، وأصبح السيد الامريكي وحلفاؤه محايدين في حرب لا تعنيهم، وأصبح العالم يشاهد اقتتال الاخوة بعد أن هيّأت الآلة الاعلامية الرأي العام الغربي، هؤلاء هم المسلمون الذين يتباكون على صور نبيّهم أنهم سلالة ابن لادن والظواهري وصدام وعرفات والشيخ‮ ‬ياسين‮… ‬يريدون‮ ‬إبادة‮ ‬العالم‮ ‬ثم‮ ‬إبادة‮ ‬أنفسهم‮.‬

ليس غريبا أن يشيع الخبر صباح العيد الدرامي، أن الشيخ الشاب مقتدى الصدر (المرجلة) أشرف بنفسه على إعدام صدام. والحقيقة، أن السيناريو المفبرك في هذه اللحظة الحاسمة المتأججة، يحاول جاهدا أن يصنع ذبيحة سنية للقوميين العرب، لتنقلب الآية ويتحول الهجوم التاريخي المعاكس، لاحقا، لمطالبة القوميين الأمويين الجدد برأس نجاد، مقابل رأس صدام كما ظل الشيعة لقرون طويلة يطلبون رأس الحسين من السنة. ولم يكن مقتدى سوى دمية في أيدي الأمريكان وظفوه لإتمام المهزلة، ليأتي دوره لاحقا. بعد‮ ‬سقوط‮ ‬بغداد،‮ ‬بمباركة‮ ‬وتواطؤ‮ ‬الأمويين‮ ‬الجدد،‮ ‬كان‮ ‬على‮ ‬العقل‮ ‬الفارسي‮ ‬المسلم‮ ‬أن‮ ‬يبارك‮ ‬هذا‮ ‬السقوط،‮ ‬وينصب‮ ‬الشرك‮ ‬للقوى‮ ‬الغربية‮ ‬والقوميين‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يجتمعون‮ ‬إلا‮ ‬على‮ ‬لحم‮ ‬أحد‮ ‬أبناء‮ ‬عمومتهم‮.‬ ليس‮ ‬مصادفة‮ ‬أن‮ ‬تبث‮ ‬الجزيرة‮ ‬هذه‮ ‬الأيام‮ ‬ومضة‮ ‬إشهارية‮ ‬سياحية‮ ‬محكمة‮ ‬الإخراج‮ ‬بموسيقى‮ ‬جميلة‮ ‬تنتهي‮ ‬بصوت‮ ‬يقول‮: ‬هنا‮ ‬إيران‮. ‬

في هذه اللحظات الحاسمة، كشف الإيرانيون للعالم الغربي، بعد تحرش أمريكا بهم، أنهم وصلوا الى قلب الذرة بعقولهم ولن يتنازلوا عن حقهم في امتلاك السلاح النووي، مهما كلفهم الثمن، ثم صفعوا اسرائيل صفعة مؤلمة بيد حسن نصر الله في لبنان، لن تنساها أبدا، وكشفوا للعرب أنهم باستطاعتهم ان يلحقوا الأذى بعدوهم التاريخي وبسهولة، بعد أن هزمهم مجتمعين وعبث بشرفهم وبجيوشهم، وعليهم الاختيار شراكة مع حليف طبيعي، يشهد التاريخ أنه ساهم بعقله في ازدهار الحضارة العربية الاسلامية ـ رغم نزعته الشعوبية ـ ليصنعوا معا التاريخ الاسلامي الحقيقي من جديد ويحولوا وجهته أو يختاروا الاستسلام للتاريخ الافتراضي الذي يكتبه السيد الأمريكي وحلفاءه. حيث لم يكد نصرالله يحصد نصره ويجني ثماره وينفلت من بين أنامل صانع التاريخ الافتراضي، ويصبح رمزا حقيقيا، حتى فاجأه جمبلاط صاحب الميزاج المتقلب، لمن تهدي نصرك ياشيخ؟، وما كادت الحرب تهدأ حتى تحالف ضده أبناء جلدته، وكذا حكام الطوائف ومن ورائهم اسرائيل وأمريكا والحلفاء الصغار. وكانت اللحظة المستعجلة لشنق صدام، فرصة لمس
آثار التلاحم بين الشيعة والسنة لإعادة التاريخ المتمرد الى قمقم المخبر الافتراضي…

وليس غريبا ـ بعد هذه المعطيات ـ أن يتحالف القوميون العرب، مستقبلا في زمن التاريخ الافتراضي، مع السيد الأمريكي وإسرائيل وحلفائهما الصغار لتأديب إيران وإدخالها بيت الطاعة تحت شعار الانتقام لصدام وللسنة في العراق… للأسف، اذا لم يستطع القوميون العرب ـ الأمويون الجدد ـ أن يتحالفوا مع إيران، حليفهم التاريخي والطبيعي، ليصلحوا ما أفسده التاريخ الافتراضي، فإنهم هم ونفطهم وقود أمريكا في حربها الحقيقية القادمة مع التنين الصيني…

 03/03/2007 نشرت بجريدة الشروق اليومي بتاريخ

كوميديا الدراما الجزائرية

كل عام والدراما الجزائرية بألف سوء·

ما دمنا نشتهي الحديث عن الدراما بعد نهاية كل رمضان وكأن الدراما مناسبة رمضانية، لا يجب تذوق نكهتها إلا في هذا الشهر الكريم، مثل الزبيب والزلابية واللحم الكونجلي والمسفوف· وكأن الدراما ليست السيناريو الجيد والممثل الجيد والمخرج الجيد··
طبعا للعام كذا·· يحدث نفس الشيء·· كوارث درامية تلو الكوارث ثم يأتي السيد المدير حمراوي حبيب شوقي، وبأعصاب هادئة، ويتنصل من المسؤولية، بحجة أنه يشجع / وهو محق / الكفاءات الجزائرية، لكن هذه الكفاءات لم تستطع أن تقدم للجمهور الجزائري ما يستحق أن يشاهده·   قد نصدق طرح السيد المدير، لكن من حقنا أن لا نصدق، حين نجد أن الجائزة المستحدثة، الفنك الذهبي، وهي المبادرة الحسنة التي استحدثت في تاريخ الدراما الجزائرية، وفي عهدة السيد حمراوي، والتي من شأنها أن تفتح الباب لتحفيز المواهب الجديدة، في كتابة السيناريو والتمثيل والإخراج، أصبحت تعطى بالوجوه، وبدوافع إنسانية ووطنية وليس من أجل الكفاءة والجدارة والإبداع والتفوق· في الوقت الذي تتقدم الدراما السورية وتزحف على كل الفضائيات العربية، وتتجدّد الدراما المصرية بدافع المنافسة الشريفة، نحن للأسف، نتقهقر ونقول العام الفائت أفضل من هذا العام·  منذ مدة لم يظهر في سماء الدراما الجزائرية مخرج جديد، أو ممثل جديد، أو سيناريست جديد، حتى مهرج جديد لم نستطع إخراجه إلى الضوء ··كل الكفاءات انطفأت فجأة، وهذا جوهر المشكلة·
عندما تكون هناك مشكلة، يجب أن نبحث عن جذورها، عن جيناتها التي تتسبب في المرض الخبيث لمداواتها أو قطعها إن لزم الأمر· هل وجدنا حلا للسيناريو بتشجيع طاقات هائلة من الكتاب والصحفيين والموهوبين وتكوينهم ورسكلتهم، بعد أن بخل الجيل القديم من المفبركين بتقديم سر المهنة لمن يرغب في التعلم؟ إن الخير كل الخير سيأتي الدراما الجزائرية من سلالة الكتاب والصحفيين والموهوبين أمثال يوسف ريح ومرزاق بقطاش وعز الدين ميهوبي وغيرهم، نحن نريد أن يكون اهتمام السيد مدير التلفزيون بكتاب السيناريو أكثر من ذي قبل ثم بالممثلين والمخرجين والتقنيين· نحن ننام طيلة السنة ولما يقترب رمضان يشرع المهتمون بفبركة الأعمال الهزيلة وتقديمها للمسؤولين المعنيين الذين يكونون في لحظة حرجة، فيقبلون العمل دون أن يطلعوا عليه ثقة في رجال الدراما الجزائرية، حسب تعبير السيد المدير نفسه، فتكون الكارثة في نهاية المطاف ·· لأن هذه الأعمال المرتجلة، تستهلك الأموال الطائلة دون تقديم الشيء الجديد··  إذا كانت هذه الأعمال تدعم، وتمر فقط من أجل وجوه أصحابها وليس لكفاءتهم، فإن لجنة قراءة النصوص التي تمنح التأشيرة، والتي يحملها السيد المدير أيضا، المسؤولية، عليها أن تقدم كشف الحساب للمشاهدين الجزائريين وتقدم استقالتها اعترافا بفشلها في اختيار النصوص، وإلا فهي مطلوبة للمحاكمة، بسبب الإهمال والفساد وتبدبد المال العام·  كل متتبّع للإنتاج الفني الوطني في المدة الأخيرة، يعي جيدا إن الهاجس الذي يراود المنتجين ليس تقديم أعمال تروق الجمهور الجزائري، وبيعها للفضائيات العربية، وتقديمها للمهرجانات لتفوز بالجوائز وإنما هاجسهم الوحيد هو الانتفاع المادي فقط··  لقد تحررنا من الاقتصاد الموجه لكن الأعمال التلفزيونية مازالت تعمل بتوجيهاته إلى يومنا، تفشل الأعمال ثم تأخذ نصيبها من الجوائز ودار لقمان كل عام على حالها· هل هناك سياسة متبعة لجعل كل الشركاء يغرفون من المال العام دون تقديم المقابل ليصبحوا محل اتهام؟ أم أن الأمور تسير على سبيل دعوها إنها مأمورة، وكل شيء يسير على ما يرام، والحمد للّه، مادام لا أحد يستطيع أن يحاسب أحدا· ومادام المواطن قد وجد في الفضائيات ضالته، وتعفف حتى عن مطالبة مؤسسة الكهرباء بالتوقف عن اقتطاع الضريبة التي يأخذها التلفزيون بغير حق·  العمل المشترك تراجع هذا العام، ربما لتعثر الخطوات الأولى، أو لأسباب أخرى·  ليست لدينا مدرسة تخرج الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو وكل الكفاءات التي تساهم في إنتاج السمعي البصري، هناك معهد يتيم لا يستحق حتى تسمية معهد، يعيش الفوضى والتهميش والإقصاء، ومعظم المتخرجين منه يحالون على البطالة أو وظائف إدارية لا علاقة لها بالتخصص، في المقابل يتسلق المتسلقون إلى مهنة السمعي البصري بشتى الطرق، وحين يكلفون بإنجاز أعمال في مستوى المناصب التي احتلوها بغير الحق يفشلون، ويكررون الفشل نفسه ولا يتعلمون·· كل عام ونحن بخير والدراما الجزائرية في أسوأ حال·· نلتقي بعد رمضان القادم لنناقش الفشل الجديد·

نشرت بجريدة الخبر الجزائرية بتاريخ 2006-11-  30