مجتمع جزائري جديد او الكارثة

خطة ثقافية لمعالجة العنف

 والتطرف والفشل واليأس

ونقل الأمل الى الطرف الآخر ؟

أعجبتني كلمة رئيس تحرير الخبر محمود بلحيمر المنشورة يوم 19 سبتمبر 2007 ، تعليقا على تطورات الاحداث الامنية الاخيرة بعنوان “مجتمع ينتج القنابل البشرية ” . هذه الكلمةا وضعت النقاط على الحروف وتستحق أن تناقش من طرف المختصين وتفتح طريقا ثالثاا لمعالجة الأزمة الجزائرية من جذورها بعيدا عن خطابات الشجب والادانة المتطرفة. يقول بلحيمرفي كلمته:                   

     ..من السهل كيل التهم للمدرسة أو للمسجد أو لمؤسة بعينها ، لكن الحقيقة أن رسوبا جماعيا في تجفيف المنابع التي يتغذى منها الارهاب ، ورسوبا كبيرا في تحويل مسارالمجتمع نحوالانتاج والعمل والجدية والتفتح بدل اليأس والقنوط والقتل والتدمير الذاتي ..

وعندما نسمع الى المسؤولين الأمنيين يتحدثون عن تجنيد عناصر الأمن بالشكل الكافي للحد من خطر الجماعات الارهابية ينتابني شيء من القلق مخافة أن يكون هناك اعتقاد سائد لدى السلطان بأن الارهاب في شكله الحالي هو مسألة أمنية عسكرية بحتة بقدر ماهوظاهرة اجتماعية معقدة ، ينبغي بحثها ببحث قضايا المجتمع الذي أصبح ينتج القنابل البشرية بهذا الشكل ؟..”

بقدرماوجدتني متفقا مع هذا الطرح الايجابي ، ومدافعا عنه بقوة ، لأنه جزء من قناعاتي ، وجدتني أتساءل : لماذا تموت – في الجزائر-الأفكاروالمبادرات الجيدة في مهدها ولاتفّعل في الميدان ولاتنتشربين الناس لتصبح واقعا ملموساأو اتجاها للأغلبية الساحقة ؟

صحيح ان المجتمع الجزائري – كما يقول بلحيمر- رسب في امتحان البناء وخيب أيضا آمال الشهداء الذين كانوا يحلمون بدولة قوية مزدهرة ، كماخيب آمال أجيال الاستقلال التي كانت تعيش حلما جميلا وهوأن تصبح الجزائريابانا ثانية..

ما الذي حدث حتى أوقفنا مرحلة البناء ولو شكليا وانخرطنا في مرحلة التهديم الجماعي ؟

الحقيقة أن الجزائري اليوم لايعيش مرحلة نهاية التاريخ التي بشر بها فوكوياما ، انما يعيش مرحلة نهاية الامل والاحلام ..

ليس من حق الجزائري أن يأمل في شيء أو يحلم بشيء ، ولو كان تافها . بعد أن عممت سياسة التجهيل والرداءة والكسل والاتكال والتواطؤوالسطووالرشوة والفساد .

 عندما جف منبع الخيال، انتهت الاحلام وأنتهت معهاالطموحات .فا صطدم الجزائري بواقعه المر، حيث أصبح لايجد أين يفجر طاقاته ومواهبه وخبراته ومبادراته واجتهاداته وكفاءته ، فأصبح يجري وراء السراب بقطع البحر”حراقا” مفضلا أن يأكله الحوت ولايأكله الدود أو يشنق نفسه بحبل ،أو يعتدي على ممتلكات الآخرين بغير حق . أويعجل بتفجير نفسه- حتى لو كان مراهقا-  طالبا الجنة الموعودة ليتخلص من جحيمه الدنيوي.

ان المجتمع الجزائري مستقيل ومشلول، بل أصبح جثة هامدة والاحزاب مثل الغربان تتقاتل على لحمه والبرلمان صار واجهة للبرستيج الديمقراطي والمثقفون ينامون في العسل . والسلطة التي تستحوذ على كل المبادرات تبدوتائهة وعاجزة عن مواجهة تسونامي الخراب الشامل الذي عصف بالبلاد ، ولذلك مازالت تعتمد على الجيش وأسلاك الأمن للقضاء على المتطرفين مستفيدة من اعترافات التائبين وابلاغات المواطنين عن طريق الهاتف المجاني الذي يكون دائما مشغولا بالغراميات والابلاغات الكاذبة ..

لا أيها السادة ، كل خرطوشة تشترى بعد اليوم لقتل جزائري فهي اهدار وتبذير لأموال الجزائريين ..ومن حقنا كمواطنين غيورين على هذه البلاد أن نلفت انتباه السادة المسؤولين أن يعيدوا النظر في الاستراتيجية الأمنيةالمتبعة بأن يستثمروا ثمن الخراطيش في البديل الثقافي الذي يعيد الحياة لكل أبناء الجزائردون استثناء.

علينا أن نحرث التربة التي نبت فيها العنف والتطرف ، ونزرعها ورودا ورياحين ، 

لقد أصبحت جزائرئنا البيضاء اليوم، سوداء بعد أن تلطخت بالامراض الاجتماعية والثقافية والفساد السياسي والاقتصادي وهي في حاجة أكثر من ذي قبل الى تشخيص دائها للبحث عن الدواء الشافي ، لان المسكنات لم تعد تنفع .

حان الوقت لنعيد بناء جزائرنا الجديدة الزرقاء .جزائرالآمال، جزائرالأحلام جزائرالطموحات ، جزائر المبادرة ، جزائر الكفاءة ، جزائرالواجب ، جزائر المسؤولية ، جزائر الأخلاق ، جزائر الفعالية ، جزائر المحفزات ..

الطاقات البشرية موجودة، و الموارد المالية لاتنقصنا، سددنا المديونية الخارجية وريوع النفط تسيل لعاب الدول الكبرى، لانريد هذه المرة تبديد ثروتنا بتكديس السلاح في مخازننالنقتل به بعضنا، بينما الدول الكبرى تتسلح بالتكنولوجيا والمعرفة.

  اذا تحركت الارادة الثقافية هذه المرة حتما ستستجيب الارادة السياسية من أجل هذا الواجب الوطني النبيل.

حان الوقت أن يتحرك المثقفون  والاعلاميون والمختصون لوضع خطة طريق لمشروع ثقافي / مشروع مجتمع جديد ، يعيش فيه الجميع دون اقصاء ودون تهميش .

هذا هو دور المثقفين الفعالين الشركاء  . وهذا جهادهم الاكبر.. لتحقيق هذه المبادرة السلمية المقدسة… على المثقفين اليوم أن يكونوا أو لايكونوا..

اذا كان عدد المتطرفين كما تقول الداخلية بعض مئات فقط ، على المثقفين اليوم أن يقوموا بتنفيذ خطة الهجوم الثقافي المضاد،هذه المرة ليس لنقل الرعب الى الخصم وانما لبعث الامل في نفسه. الهدف الثقافي الآن ليس المزيد من القتل بالقضاء على المتطرفين وانما احياؤهم واعادة ادماجهم في المجتمع هذا هوالهدف النبيل الجديد .

على المثقفين أن يضعوا في البداية تصورا للمجتمع الجديد الذي يكون فيه المواطن الجزائري سيدا بعلمه وكفاءته وأخلاقه ومبادرته وفعاليته وتفاعله.

وفي المرحلة الثانية عليهم أن يقودوا أكبرمسيرة زرقاء، سلمية – واعية وليست عفوية- تضم كل فئات الشعب للبحث عن هؤلاء المتطرفين، في كل الشعاب والجبال والكهوف والاقبية والمداشر والاحياء لاقناعهم بالعدول عن أفكارهم التخريبية الضالة والمساهمة في بناء الجزائر الجديدة. الجزائر الزرقاء التي يشارك في بنائها الجميع دون اقصاء أو تهميش .واذا رفضوا الانخراط في بناءالمجتمع وفضلوا التمرد والتخريب على المثقفين أن يسمحوا للشعب أن يرجمهم بالحجر ويدفنهم هناك ويعود للتفرغ لمشروعه الحضاري .