سفر الأباطيل

نامت السياسة

في سرير العسكر

فباضت ثم فقست

دبابات في شارع

الاستقلال

باطل كل شيء باطل

***

ايها الواقع المر

كم يلزمك من السكر

لنتذوق طعمك

باطل كل شيء باطل

***

تسلق المتثاقفون

كل المناصب

وملأت صورهم

كل الواجهات

بينما تسللت الثقافة

الى البالوعات

لتنام نومة أهل الكهف

باطل كل شيء باطل

 

الحق في الجمعة

  الحق في الجمعة

 

كمال قرور (كاتب وصحفي)

مثلما توصلت البشرية في العصر الحديث الى مفهوم الحق في الاعلام على المسلمين اليوم أن يطالبوا بالحق في الجمعة ويتشبثوا بهذا الحق ويعملوا جاهدين لتحقيقه, وذلك لما لهذه الخطبة من فوائد دينية ودنيوية وما لها من قداسة خاصة في الدين الاسلامي الحنيف.
لقد فضل الله تعالى خطبةالجمعة على الركعتين اللتين يتواصل المسلم بهما بخالقه في أيام الأسبوع حيث يلقيها الخطيب على المصلين,يعظهم ويذكرهم بأمور دينهم ودنياهم ويحثهم على فعل الخيرات وتجنب المنكرات ليجدد حياتهم ويقوي ايمانهم.

هذه القدسية التي منحها الله للمسلمين وهم يتخاطبون فيما بينهم ويتواصلون, تعطي للعملية الاتصالية البشرية أهمية كبيرة,خاصة أنها تتكرر أسبوعيا (حوالي خمسين جمعة في العام), والزامية ولاتصح الا جماعة,ويحضرها الكبار والصغار والرجال والنساء والأميون والمتعلمون والمثقفون والفقراء والاغنياء والبسطاء والمسؤولون.

لكن المتابع لخطبة الجمعة اليوم في العالم العربي والاسلامي وفي بلادنا خاصة يصاب با حباط كبير, لقد فقدت الجمعة قدسيتها, لما أهملت الخطبة وظيفتها الدينية والاجتماعية والاتصالية وضيعت بريقها وتأثيرها,وأصبحت روتينية رتيبة مملة, لاتساهم في التأثير والتغيير.

واذا كان الحديث عن اصلاح خطبة الجمعة في العالم العربي والاسلامي بدأ ولو محتشما في الوسائط الاعلامية المختلفة الا أنه في بلادنا مازال مسكوتا عنه وكأنها طابو.

ان خطبة الجمعة حق المسلم المصلي الذي يرتاد المساجد مهما كانت درجة ايمانه ضعيفة أو قوية,المهم أن يجد فيها ضالته من الوعظ والارشاد والترغيب والترهيب والتذكير والتنبيه والنصح والشرح والتفسير وهي واجب على المؤسسة المسجدية التي تشرف عليها.

ونحن في هذا المقام لا نريد الحديث عن خطبة الجمعة من الجانب الدعوي او الفقهي وانما باعتبارها وسيلة تعبير شفوية وأداة فعالة للاتصال الجماهيري حسب مفهوم نظريات الاعلام والاتصال الحديثة .تساهم في توعية الناس واصلاح المجتمع.

عندما تسمع بعض المصلين يرددون: لم أفهم شيئا, أو نمت أثناء الخطبة أو نسيت موضوعها – اذا كان لها موضوع – هذا مؤشر على أزمة الخطاب المسجدي , خطبة الجمعة .ولما ترى الناس يتدافعون بعد كل صلاة جمعة يرفسون بعضهم البعض, هذا مؤشر آخرعلى افلاس مساجدنا.

معنى هذا أن الفعل الاتصالي سلبي لأنه لم يحقق النتيجة المرجوة بين القائم بالاتصال والمتلقين,وهي: التواصل والتفاعل و الـتأثير.وعندما يتكرر هذا الفعل السلبي على المتلقي تكون حتما العملية الاتصالية عكسية,حسب النظريات العلمية الحديثة التي اهتمت بالسلوك الانساني.

لهذا نريد لفت انتباه المختصين في الاعلام الى الاهتمام بدراسة خطاب الجمعة من الزاوية الاعلامية لتحليل العلاقة بين القائم بالاتصال والمتلقين لتسهيل تغلغل خطاب الجمعة الجماهيري بين الناس وتفعيله ليصبح ايجابيا مؤثرا وليس مجرد خطاب ثرثرة لايسمن ولايغني من جوع.

ان المجهودات التي تبذلها بلادنا اليوم,بتشييد المساجد الضخمة والمزخرفة والمفروشة لايواكبها جهد مواز لتأهيل وتكوين الخطباء. بينما مواكبة العنصر البشري لهذه العملية ضروري جدا لتؤدي المساجد دورها كما ينبغي .لان المساجد تساهم في محاربة الآفات الاجتماعية وتحمي المصلين من كل التأثيرات الخارجية والنزوات الداخلية.كما تساهم في تشكيل الوعي الديني والاجتماعي وتصنع الرأي العام أيضا وأحيانا أفضل من الصحافة.

ان خطباء القطاع العام الذين يحتكرون اليوم منابر الجمعة ويتهافتون عليها,معظمهم لايستحقون هذا التشريف.فهم بالاضافة الى عجزهم عن اختيار مواضيع خطبهم الأسبوعية, فشلوا في البحث عن الأساليب الراقية التي تسهل وصول أفكارهم الى عامة الناس.ضف الى ذلك, فهم لا يعرفون ولو القليل من مبادىء العلوم الحديثة التي ساهمت في فهم سلوك الانسان وعقليته ونزواته مثل: علم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة وعلم الاقتصاد وعلم اللسانيات وعلم الاتصال ولذلك لايمكن ان يقدموا غير الثرثرة والاحاديث الثقيلة المملة المجترة والمتواترة من عصور الضعف والجمود.

دائما حديث عام غير مركز عن: الزنا والخمر والميسر والحجاب ورمي المحصنات والجواري والعبيد وفك الرقاب وما ملكت الأيمان. بعيدا عن فهم مستجدات العصر والمفاهيم التي أصبحت متداولة في الخاطب المعاصر.

ان المستوى الضعيف للأئمة جعلهم يغشون في تقديم خطبة الجمعة,ويخادعون الله والمصلين و ما يخادعون الا انفسهم..فهناك من الخطباء من لايحضر موضوع الخطبة كما ينبغي وهناك من يدخل موضوعا في مواضيع مختلفة وهناك من يكرر خطبه التي لا موضوع لها وهناك من يرتجل ولا يقول شيئا وهناك من يكتفي بالأدعية المتواترة وهناك من يكسر عظام سيبوية بالمطرقة دون حياء. وهناك..وهناك ..

ليس المقام هنا للتجني على الخطباء وانما هي حقيقة نريد من ورائها لفت انتباه الرأي العام الى خطورتها وانعكاساتها السلبية على المجتمع. لأننا اليوم قبل أن نفكر في اصلاح المصانع والمزارع والشوارع والطرقات علينا أن نبدأ باصلاح المساجد وخاصة خطبة الجمعة, لأنها البداية لكل الاصلاحات المرجوة للمجتمع.

اذا لم تساهم الجامعة الاسلامية بكوادرها المتخرجة سنويا في تعويض النقص الفادح في ملء الفراغ الذي تعانيه مساجدنا اليوم لماذا وجدت هذه الجامعة أصلا؟ اذا كان خريجوها يحالون على البطالة أو يوجهون الى قطاعات بعيدة عن تخصصهم.بينما تفرخ معاهد تكوين الائمة هؤلاء الخطباء التقليديين,المشجعين للتثاؤب والنوم, الذين يقبضون رواتبهم دون أن يقدموا للأمة ماهو مطلوب منهم .وبالتالي يسمحون لاتجاهات أخرى تستدرج المصلين الى حلقاتها وخطبها التي تتسبب دائما في فتن لانهاية لها.

ولهذا نقترح مبادرة عملية خيرة وهي أن يساهم الجميع في تأسيس مؤسسة وطنية لخطبة الجمعة تساهم في تسييرها: وزارة الشؤون الدينية والمجلس الاسلامي الأعلى وجمعية العلماء المسلمين والجمعيات الدينية والجامعة الاسلامية ومختصين من علماء النفس والاجتماع والاقتصاد واللسانيات والاتصال, كل هؤلاء يساهمون بما يملكون من خبرة ودراية في تطوير صناعة خطاب خطبة الجمعة شكلا ومضمونا ومساعدة الخطباء برسكلتهم واعادة تأهيلهم في دورات تدريبية مكثفة,والمساهمة في اعداد الخطب المركزة التي تتماشى مواضيعها مع كل مناسبة ويتماشى أسلوبها مع روح العصر للتأثير في المصلين.
kerouka@yahoo.fr

رجل يستحق ان يعشق

” ..كنت حقا مفرطة في نفسي أشد تفريط ..
ولكنه اكتشف مناطق وجزر
بجسدي وقارات بروحي ..” آ.ل شهيناز

( قالت) في تلك الليلة الهادئة ،كانت الآنسة الرقيقة شهيناز تنظرإلى مرآتها تجر فستانها الليلي الشفاف،سرحت شعرها،عقدته وراءها بشرائطها الحريرية الملونة بهرتها صورتها وكأنها أول مرة تقف أمامها.تأملتها مليا وهمست في أعماقها :
– أحقا أنا جميلة .؟
تبسمت المرآة :
– بل كما قال لك إنك فاتنة ..
مرطيفه مسرعا نحوهاكشهاب في السماء،ارتبكت وتلعثمت وتورد خداها خجلا،حاولت صده واقصاءه وتجاهله ولكنه أقوى منها دائما،إنه شلال متدفق بالحيوية والحياة . استطاع فجأة أن يحطم أسوارهاوقلاعهاويتسلل الىحديقة قلبها المليئة بالورود والرياحين ويتمدد هناك .
تنهدت من أعما قهاالمرآة :
– إنه يحاول أن يروض أنوثتك الساذجة ليعثر على كل الأسرار والغرائز ..
– آه .. لاتذكريني إنه يستفزني ويثيرني ..يغويني..ولما يفشل ينعتني بما يشاء..أتصدقين أني أشبه الإلهة مناة التي لاتصلح للعبادةولاللإغواء..فهوت عليها حجارة من سجيل جعلتها هشيما .وأحيانا العجوز الشمطاء التي نحتها الزمن الخريفي بتجاعيده واصفراره وتقلب أجوائه،فانكمشت تحت أثوابها الفضفاضة تلعن القدر وقد فقدت كل ماهو جميل..وأحيانا الشحيحة التي لا تجود ولاتلين ولاتهدأ ولاتغدق ..
ضحكت المرآة :
– كم هو ذكي إنه يستطيع أن يرسم خيوط أعماقك الملتوية حتى تغدو ناعمة لينة ..
امتعضت شهيناز غيظا :
– لن ألين ..ولن يستطيع أن يكون فنانا أو عبقريافي الحب
– ماذا تريدين منه إذا ؟ أتركيه وشأنه إنه رجل ..
– لاشيء سوى أني أشعر برعشة شديدة لما أقترب منه ليثمل قلبي بماء قلبه ليمنحني ثقة أكبر بالحياة وليلهمني أشياء مفقودة بداخلي،فأنذر نفسي لأكون ملهمته الدائمة ..
– ألا تخافين عليه ..؟
– بلى إن قلبي يرتعد خوفا من امرأة أخرى جامحة تراوده عني.تذهله،تسحره،وتقوده حيث يشاء ..
– أنذريه بأن أصابعها لعنة وشفتيها لهيب وجسدها جحيم..
– كم مرة أنذرته.كم مرة حاولت أن أهدىء من روعه وأصورله راهب الفكر والفن والسياسة كيف يكون .. ولكنه كان يكفهر مثل الشتاء الغضوب القاسي ويصرخ في وجهي :
– أنا آخر المتصوفين..أنا ياقديستي لست الرب الذي تتصورين..رجل أنا كالآخرين بطهارتي بنذالتي..رجل أنا كالآخرين فيه مزايا الأنبياء وفيه كفر الكافرين ووداعة الأطفال وقسوة المتوحشين ..
– هكذا هم الرجال دائما أمام النساء..أطفال ، ضعاف ، حيارى ..
– بل لئاما يخونون ،يعبثون.يشتهون كل أنواع النساء وكل الأشكال ولايكادون يؤمنون بواحدة،ولا ولن يعدلوا في الحب .
– عزيزتي أنت امرأة ولا بد أن تحسني فنون الفتنة والغواية وإلا مامعنى أن تكوني امرأة ..
– أنا لا أريد أن أكون مثل بقية النساء..أحاول قدر المستطاع أن أكون استثناء ولو على حساب أشياء دنيوية عابرة.أكثر النساء مأواهن جهنم وبئس المصير .. إني أبكي من أجلهن إني أراهن الآن أمامي عاريات ، وشرارات حارقة تقذفهن كل حين..معلقات من شعورهن بأظافرنسور سوداء ومن حواجبهن بدبابيس صدئة ،نهودهن مرماة هنا وهناك متعفنة،مهترئة تنخرها الديدان الصغيرة..أفاعي كبيرة تمتص شفاهن اليابسة الزرقاء، أجنة مشوهة ملطخة بالدماء تصرخ صراخا مخيفا تتحرك أمامهن وهن ينهشنها بشهوة وشراهة ..
ارتجفت المرآة لهول ماسمعت وكادت تهوي ذاهلة ..أمسكت بهاالآنسة شهيناز ساخرة :
– لن أنغص عليك لئلا تفقدي صفاءك هذه الليلة فما أحوجني لأرى نفسي بعد أن أثار فضولي ..
– كم أنت متذبذبة ومضطربة..شكاكة هذه الليلة ياصديقتي ..ويبدوأنه أكثرمنك جرأة وصراحة ..
– لا أرجوك لاتزيديني هماأكثر من همومي ولا تتحاملي علي مثلما يتحامل علي الآخرون..صدقيني إني حائرة..ممزقة بين السماء والأرض..لقد أحياني وقد كنت ميتة.كأنما نفخ في روحي حياة جديدة..وكأني أكتشف نفسي من جديد..هناك مناطق في جغرافية جسدي لم تكن لسنوات طوال تشغلني ولاأعطيها أدنى اهتمام ..كنت حقا مفرطة في نفسي أشد تفريط..ولكنه اكتشف مناطق وجزرا بجسدي وقارات بروحي..إنه “كولومبس “الذي له فضل اكتشاف القارة الجديدة بعد أن ظل الناس يعتقدون – مدة قرون – أن العالم هو ماعليه ..
– هذارجل يستحق أن يعشق ..
– إني أنزف..وهو لايكاد ييأس..تراودني شياطين غرائزه وتستدرجني إلى وحل الأرض وأنا أتعفف وأحاول الارتقاء به عنان السماء ..
– ولماذا لاتحاولين أن تخففي عنه بعض أعباء الأرض .. فهومن طين و ابن هذه الأرض ..
– كيف ..؟
– أنظري جيدا ..تفرسي جيدا عينيك الحالمتين ..ثغرك القرمزي..جسدك الصارخ.امشي إلى الأمام..ثم تراجعي قليلا إلى الخلف..افتحي خزانتك ارتدي ثوبك هذا..لا ذاك..بل ذاك..الأبيض الموشى بالأحمر..ضعي عقدك العنبري..أطلقي سراح شعرك الطويل..لاتنسي عطرك الفواح.. التفي إنه هناك ستذهله المفاجأة..اقتربي منه ابتسمي سينتفض ،سيهرع إليك سيطوقك بملء ذراعيه سيحتضنك..سيقبلك ويقبلك وتمتد القبلات وترحلان مع لحظات شاردة إلى عالم بديع ستشعران كأنكما تسبحان في الفضاء فوق سرير أخضر تحفه تلال بهيجة وأضواء خافتة وموسيقى عذبة ملائكية.
جف ريقها وتوهمت أنه غير بعيد عنها،في حديقتها الغناء يهمس وراء نافذتها يدعوها.فهبت بكل طاقتها إليه لكن خياله كان باسطا عليها جناحيه كالنسر..ولم تدري كيف هوت على مرآتها بيدها المرتجفة فتطايرت شظاياهاوتدفق الدم..فشهقت باكية مثل الطفلة ..
قامت المرآة تجمع أجزاءها وتمسح دموع شهيناز وتضمد جرحه
اثم قالت لها :
– لاتحزني ياصديقتي،هذا رجل يستحق أن يعشق،ومن كثرة ماحدثتني عنه وقعت في غرامه..


_________________
كمال قرور كاتب وصحفي
kerouka@yahoo.fr

حكاية صاحب الفكرة وصاحب المال وقصة الاحتيال الظريف

” للحياة في المدينة
على المرءأن يمتلك نقودا
حتى لاذابة الثلج ” هايكو/ اسا

( قالوا ) التقى صاحب فكرة كان بطالا،وصاحب مال كان في أوج ثراه،في احدى الحفلات التنكرية العجيبة التي تقيمهاالعائلات”المرفهة”في الجمهورية ..أعجب كل واحد بالآخر ووجد عند صاحبه مايحتاجه ،فصاحب الفكرة يبحث عن ممول ، وصاحب المال يبحث عن فتوحات اقتصادية جديدة بعد انفتاح الجمهورية الاشتراكية على اقتصاد السوق..وبعد أن تبادلا شجون الحياة اكتشفا أن كل واحد منهما يحمل أفكارا سيئة عن الآخر بسبب سياسة فرق تسد،السياسة الحكيمة المتبعة من طرف جلالة الحاكم الجمهوري للخلود في الحكم ..
قرر صاحب الفكرة وصاحب الثروة،أن يضربا السياسة عرض “الغائط” و يؤسسا شركة تجمع أحلامهما. ولكنهما اختلفا في رأس المال.اقترح صاحب المال على صاحب الفكرة أن يعمل عنده فرفض.اقترح عليه نسبة من الأرباح ،جعلها الخمس ثم الثلث ثم النصف فوافق صاحب الفكرة.وأكد صاحب الفكرة، أن نصف رأسماله سيكون فكرة المشروع ولن يدفع سنتيما واحدا،بكل بساطة لأنه بطال.حاول صاحب المال أن يتحجج بكل الأعذار الاقتصادية وغير الاقتصادية بأن الفكرة مهما كانت،لن تكون مساوية للمال،لكنه اقتنع في الأخير بعد أن أصر شريكه العنيد،تأسست الشركة بينهما..رأسمال أحدهما فكرته والآخر ماله ويكون اقتسام الفوائد مناصفة .
أخرج صاحب الفكرة قصاصة صغيرة من جيب سترته مدون عليها تفاصيل مشروع كبير يعود على مموله بربح وفير..وبعد أن درس صاحب المال فكرة المشروع من كل الجوانب تحمس كثيرا،كلف مكتب دراسات عالمي لاعداد دراسة الجدوى،فكانت مشجعة للغاية ،فتبنى المشروع وأمر بصرف المال لانجازه.
كان صاحب الفكرة كعادته يطلب في كل مرة المزيد من المال ، لشراء التجهيزات التي يتطلبها العمل،وصاحب المال ينفق بسخاء دون تردد وأمله الكبير أن يثمر المشروع ويعوض ما أنفقه،وفي كل مرة يسأل :
– أين وصلت الامور ؟
بثقة،وبالتفصيل الممل،يجيبه شريكه صاحب الفكرة عن سير العمل وعن وجهة المال المصروف..مر ربع قرن على بداية المشروع،وصاحب الفكرة مازال يطلب المال ويؤكد لشريكه بأن ثمار المشروع بدأت تظهر.
بدأ صاحب المال يشك ويتردد في دفع المزيد من المال لكن صاحبه،يخبره بأنها المرة الأخيرة التي يطلب فيها مالا إضافيا، ويطلب منه أن يتحلى بالصبرلأنه سيحضر له مال الفائدة في المرة القادمة .
وظل هكذا صاحب الفكرة يراوغ وصاحب المال يستجيب لمطالبه دون أن يرده،ولكنه أصبح يشك في أمره،ويتساءل في صمت :
– ترى ماذا فعل بالوسائل التي اشتراها ؟
حاول أن يوقف هذا النزيف لكنه خاف أن يظلم الرجل .. وأحيانا عندما لا تكون عنده الأموال يستلف من البنوك المحلية والخليجية والعالمية ويسلمها له خوفا من عرقلته،لقد أنفق كثيرا من المال دون أن يرى شيئا ملموسا،أو يجني من وراء استثماره أرباحا أو عاد إليه استثماره سالما حتى لو لم يكن غانما ..
تساءل في نفسه :
ترى ماذا فعل بالتجهيزات الكثيرة التي اشتراها .؟
بعد أن استبد به الشك.قررأن يوقف تمويل المشروع الخاسرمتأسفا على ما آل إليه أصحاب الأفكار من خسة ونذالة.
قصد شريكه وقال له :
-أين هذا المشروع الذي أنفقت عليه،طيلة هذه السنوات ولم يثمر ؟
أخذه شريكه إلى أرض بور وقال له :
– هذا هو مشروع طموحك..مازال لم ينطلق ..
قال صاحب المال :
– وأين مالي الذي أنفقته بسخاء ..؟
قال صاحب الفكرة وهو يشير إلى مصنع كبير في الجهة المقابلة :
– هاهو مالك..أنجزت به مشروعا أخر..
ولما تصدر خبر الاحتيال الكبير صحف الصباح وخاصة صحيفتي “الفينانشل” و”الول ستريت”.تدخلت البنوك مطالبة مستحقاتها. باع صاحب المال بعض أملاكه ومصانعه ولكنه لم يستطع أن يسدد ماعليه من ديون.تضامنت البنوك الخليجية مع صاحب المال بسبب “الزائدة الدودية أو”العاطفة القومية”،ومسحت ديونه.. لكن”الأفامي” تعنت.تدخل واشترى كل الديون الباقية..
حاول صاحب المال أن يقنع شريكه صاحب الفكرة بحقه في المشروع الكبير الذي أنجزه من ورائه بماله..
وبعد تفكير وتردد قال صاحب الفكرة لشريكه:
– لأني نزيه ،أقبل أن تعمل عندي ..
– لا..
– أعطيك الخمس ..
– لا..
– أعطيك الثلث ..
– أريد حقي.. النصف ..
– أعطيك النصف..لكن شرطي الوحيد هوأن تكتب الأسهم باسم زوجتك الجميلة حتى لا يطالبنا “الأفامي” باسترجاع ديونه ..
قبل صاحب المال الفكرة،وشعربالخجل لأنه شك في نزاهة شريكه،ولما كتب الأسهم باسم زوجته الجميلة عند الموثق،قالت له :
– الأفضل يا عزيزي،أن ننهي عقد زواجنا اليوم حتى لا نضطر إلى العودة إلى هنا مرة أخرى أو “نتمرمد” في المحاكم..
لقد طلبني رسميا صاحب الفكرة للزواج،فوافقت، وسنمضي عام العسل على سطح القمر ..

_________________
كمال قرور كاتب وصحفي
kerouka@yahoo.fr

حكاية نبي الاوبيك وقصته مع المهدي غير المنتظر

“مع أننا شعوب تعيش من مادة النار إلا أننا نظن أن المياه ستشعل حروب المستقبل ” محمد بن راشد آل مكتوم

( قال الراوي ) كان السيد خفيف الظل المدعو(سخيف) من أشهر ظرفاء العرب الذين تحدث عنهم (في الاغاني والتهاني ) ابو الفرج ( أكرمكم الله )الوهراني، يتسكع في شوارع الجمهوريات العربية، لايجد لقمة يملأ بها بطنه الشرهة للأكل،قال في نفسه:
– رحم الله زمان كانت الأعراس فرصة لعابري السبيل والجائعين أما اليوم فإن الفقراء لايعرسون والأغنياء يعرسون في الفنادق الفخمة،ولايسمحون بالدخول إلا للضيوف الحاملين للدعوات الرسمية..
فكرفي حيلة تعيد له المجد والاحترام بين الناس،وتضمن له لقمة عيش شريفة.فلم يجد شيئا،سوى ادعاء النبوة،هذه البدعة التي كان يلجأ إليها بعض الأدعياء في التاريخ لتحقيق بعض مآربهم الدنيوية …
وما كاد ينتهي من التفكير في فكرته الطريفة حتى قبض عليه رجال مخابرات جمهورية(الكآبة)الشعبية المكلفون بمراقبة أفكار المواطنين الجامحة التي ينهى عنها الدستور الجديد.قيدوا يديه،وأخذوه إلى الخليفة المهدي الحاكم الأبدي للجمهورية..
كان المهدي يجلس،تواضعا،على جلد ماعز،ويدخن رنجيلة محشوة بالزطلة،وتعاطف مع السيد خفيف الظل النبي المزعوم:
– أعرف أنك لست نبيا ..
– كما أعرف يامولاي أنك لست المهدي ..
– ما قولك في المهدي المنتظر ؟
– مادام ينكر نبوتي،بدوري سأنكره وأشيع في الناس بانها بدعة شيعية ..
– وإن صدقك
– أكون لئيما إن لم أذكره بخير ..
– وإن أطلقك ..
– بشرت بمجيئه..
– ضحك المهدي كما لم يضحك منذ أن استولى على الحكم،حيث أصابه اكتئاب مزمن بسبب المحاولات الانقلابية التي تعرض لها عرشه ثم قال :
– يالك من رجل خفيف الظل وظريف حقا..
ثم استطرد وهو يهمس في أذن السيد (سخيف):
– أصدقني القول ياسيد سخيف إلى من بعثت ؟
– بصراحة يامولاي المهدي لقد بعثت إلى الدول المصدرة للنفط(اوبيك)..لأنذرهم بسوء تسييرهم للمنظمة وللثروة النفطية التي أنعمها الله عليهم،فلم يستغلوها أحسن استغلال..واستثني هنا الشيخ زايد طيب الله ثراه .
– ولكن كيف يبعثك الله في دولتي وهي دولة فلاحية وليست نفطية ولاعلاقة لها بدول (الأوبيك) المصدرة للنفط ؟
– هذه هي المشكلة يامولاي أنا بعثت هنا في المنفى على تراب جمهوريتكم العزيزة المنفتحة على الأفكار الديموقراطية والبرلمان والتعددية الحزبية والحريات وكنت سأهاجر بعد جمع الأنصار والمؤازرين إلى تلك الدول لأجاهر بدعوتي كما فعل الأنبياء من قبل ..
– وما الذي حدث أيها الرجل السخيف ..
– للأسف يامولاي..بعثت في الصباح،فقبض علي رجال مخابرات جمهوريتكم السعيدة في منتصف النهار،ومازالت سكرة النبوة تغشاني،فأفسدوا علي نبوتي ..
أخذ المهدي غير المنتظر،حاكم جمهورية(الكآبة)، نفسا طويلا من رنجيلته المزطولة،وأمر وزير المالية أن يعطيه ألف دولار من بيت مال المسلمين.ثم أصدر مرسوما رئاسيا عين بموجبه السيد (سخيف) مهرج القصر.

_________________
كمال قرور كاتب وصحفي
kerouka@yahoo.fr