تاريخنا الافتراضي 2

تاريخنا الافتراضي
فخ الجهاد·· وسيناريو القاعدة

 

في زمن العولمة، حيث أصبح العالم قرية صغيرة حسب تعبير ماكلوهان، كان المطلوب من كل أمة أن تقدم نفسها للعالم، وتقدم ما تراه صالحها من موروثها للبشرية، ولما بدأت كل أمة تبحث عن موروثاتها المتماشية مع العصر، فضل العرب المسلمون أن يقدموا السيف ويقدموا أنفسهم للعالم على أنهم فرسان الله يهبون أرواحهم لخدمة رسالته، تيمنا بما فعله أسلافهم لما خرجوا من الجزيرة العربية وفتحوا العالم·· والحقيقة أن دور أسلافهم كان أنبل لأنهم كانوا يحملون السيف بيد والأخلاق بيد أخرى، وما فتحته يد الأخلاق من أصقاع أكثـر بكثير مما فتحته يد السيف·
كان بإمكان العرب المسلمين وهم ينتشرون على سطح الأرض أن يلجأوا إلى السلاح السلمي وهو التبليغ والدعوة بالموعظة الحسنة اقتداء بالنبي الكريم، وأن يترفعوا عن صغائر الأمور ليكونوا نموذجا وقدوة حسنة لغيرهم، ليؤثـروا إيجابيا في محيطهم، ثم يفشلون التآمر عليهم·· لكنهم للأسف لم يكونوا إلا قدوة سيئة، فالعربي المسلم حيثما وجد في أطراف الأرض لا يمثل إلا التخلف والتعصب والأخلاق الفاسدة·
فكيف لهذا العقل العربي المسلم المتهافت على شهوات الدنيا المادية، وفتات الحضارة الغربية أن يحارب هذه الحضارة التي قدمت له كل شيء، حتى ملابسه الداخلية، بينما يعجز عن تقديم لها قليلا من الأخلاق التي يفترض أنه يحملها في نفسه وفي رسالته التي كلفه بها رب العالمين·
إننا أمام مفارقة عجيبة، فالعقل العربي المسلم الذي يعجز عن فهم نفسه والتكيف مع محيطه، ويعجز بالتالي على أن يكون فعالا وموثـرا فيما حوله، بنشر القيم الإيجابية الجملية، ويرى أنه باستطاعته أن يغير محيطه والعالم كله باللجوء إلى العنف وبتفجير نفسه، هذا جنون، وتفكير ساذج وأصحابه لا يستحقون الاحترام، وهم مطرودون من القرية العالمية·
فخ الجهاد
إن مفهوم الجهاد الذي ارتفع شأنه في خطابات الحركات الإسلامية في عصرنا الحديث، استطاعت المخابر الغربية أن توظفه لصالحها، بعد أن عجزت عن تحييده أو اقتلاعه من جينات هذه الأمة، فعملت على استغلاله من الداخل ليصبح في خدمة الغرب ومشاريعه التوسعية·· ومن ثماره أن يصبح قتال الروس تحت راية المخابرات الأمريكية جهادا، بينما يبطل إلى جنب حزب الله في لبنان في مواجهة  الصهيونية الأمريكية للدفاع عن الأرض والعرض·
ليس غريبا أن يصبح العربي المسلم اليوم هو العدو رقم واحد للحضارة العربية، بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط حائط برلين وانفتاح العاصمة موسكو على سندوتشات ماكدونالد ومشروبات البيبسي والكوكا·
ولذلك لا نرى الشخصيات العربية والإسلامية التي يسلط عليها الإعلام الغربي الضوء إلا وهي تحمل في يمناها كلاشا أو مسدسا وتهدد به الغرب·· ونذكر هنا على سبيل المثال: صدام، عرفات، زعماء حماس، بن لادن، الظواهري، الزرقاوي، حسن نصر الله، لا أحد منهم تلتقط له الصور وهو يقرأ كتابا أو يتصفح جريدة أو يدير اجتماعا، من أجل تبليغ الرسالة بأن هؤلاء المحسوبين على الإسلام لا يمثلون سوى العنف والبربرية والديكتاتورية، ويجب استئصالهم حتى يزول تهديدهم، بينما كان السفاح شارون وهو المعروف بدمويته، لا يقدم في الإعلام إلا في صورة رجل مدني متحضر ديمقراطي يدير اجتماعا أو خلفه مكتبة تزخر بمئات الكتب، ولم نره يوما ببذلة عسكرية وهو جنرال الحرب وجنرال السلم·· وبلغ الحقد المخبري أوجه، فأصبح يقدم أطفال العرب والمسلمين وهم يحملون كلاشات بلاستيكية أو خشبية ويهددون بها العدو الو همي··
سيناريو القاعدة
رغم ما حققته أمريكا بعد أحداث سبتمبر من سيطرة وتجبر على أرض البلاد العربية الإسلامية، إلا أنها سرعان ما تعرضت للانتقام من الأهالي، وحتى تسحب ظلالها من المناطق التي غزتها وحولتها إلى حطام مادي وفكري، وجب عليها أن تلوح بذريعة القاعدة التي تستعملها في كل الحالات، بدأت تروج في الإعلام أن عناصر القاعدة يتسربون إلى إفريقيا والمغرب العربي خاصة، وغيرت هذه المرة تكتيكها، بدل الضربة الاستباقية، قررت إنشاء قاعدة استباقية للتجسس والتنصت والتآمر، ولما رفض حكام المغرب العربي الهرولة لمنح أمريكا ما تريده لتحقيق مآربها جاء إعلان انضمام الجماعة السلفية الجزائرية للقاعدة تحت تسمية قاعدة المغرب الإسلامي، لتأكيد أن ما تعرفه أمريكا تجهله هذه الدولة مجتمعة· وكانت المخابرات الأمريكية سباقة للترويج بأن هناك أهدافا محتملة لهجمات القاعدة، فكانت أحداث بوشاوي، وبوموداس وتيزي وزو· ولن نتفاجأ إذا وجدنا الرئيس بوش هو أول من أدان الهجمات ودعا إلى ضرورة التعاون للقضاء على الإرهاب، وعندما تعرض قصر الحكومة لهجوم انتحاري قاعدي اتضحت الرسالة حتى للمغفلين، لأن جواسيس السفارة الأمريكية، بدل التعاون مع الهيئات المختصة، سربوا للإعلام مباشرة بأن الهدف القادم للقاعدة مبنى التلفزيون ومقر البريد المركزي، وهم يلوحون بأن الضربة قد تكون هذه المرة قصر الرئاسة، والفاهم يفهم·· هاهي أمريكا تصنع لنا أحداثنا وتستدرجنا ونحن نتفرج غير مكترثين، وإن لم نتدارك الأمور ستفعل بنا ما فعلته بأفغانستان والعراق والصومال والسودان··
لقد انتهى لعب الصغار·· وبدأ لعب الكبار، وها هم مجاهدو ”الفارافوز” الذين لعبوا دور الكومبارس في حرب العشرية الأخيرة يجدون أنفسهم قد مهدوا الأرضية للقوى الإمبريالية للتدخل السافر في شؤون الشعوب الآمنة، وما زرعوه بالأمس تحصده
أمريكا اليوم، وهم كما الأطرش في الزفة، فلا هم غيروا النظام المتآكل  الآيل أنئذ إلى السقوط الحر، ولا هم أقاموا دولتهم اليوتوبيا المزعومة، ولا هم كسبوا ثقة الشعب، ولا هم يحزنون··
لقد ساهموا في تخريب الاقتصاد وترويع الشعب وقتل وتهجير الأدمغة، وهاهم يحضرون مشاهدة آخر فصول المهزلة وهي: تسليمنا مقيدين بأنواع القهر والذل والمسكنة لـ:دراكيلا الأمريكي ليفترسنا، دون أن نحرك ساكنا·

Kerouka@yahoo.fr

 

المصدر :كمال قرور / كاتب صحفي

نشرت بجريدة الخبر بتاريخ 21/10/2007