المتثاقفون
انتم تصرخون دائما وتبحثون عن شخص اسمه “المثقف ” اين المثقف؟ مادوره في الحياة ؟مادوره في تغيير التاريخ وما الفرق بينه وبين البطيخ؟أي هل له لون؟ هل له رائحة؟ هل له طعم؟ هل له موسم؟ ماموقفه من الاحداث الوطنية والدولية ؟ ماموقفه من الانقلابات؟ والاغتيالات والاحتيالات ؟ ولكن لاحياة لمن تنادي ومادام الشخص الذي بحت اصواتكم في البحث عنه لم يجب : سواء بالسلب او بالايجاب ، معنى هذا ان الكائن الهلامي الخرافي الذي تطلبون غير موجود ولهذا يستحسن ان توقفوا اعلاناتكم وحملات بحثكم وتستغلوا الصفحات في اشياء أهم من هذا المسمى تجاوزا “مثقف “.
لقد حملت منذ سنوات مصباحي وخرجت في وضح النهار مثل ذلك الفيلسوف اليوناني لابحث عن هذا المدعو تجاوزا مثقف ولكن املي خاب، وعدت خائبا.واقتنعت بان هذه الفئة غير متوفرة ببلادنا وهي لاتنبت في اراضينا البور كما ينبت الزعتر والشيح والبرواق لاسباب ايكولوجية مجهولة …
وبالمقابل صادفت اثناء بحثي كائنات كارتونية كاريكاتورية ممسوخة تدعي انها مثقفة والحقيقة اني تبعت كذبها حتى باب دارها، فوجدتها كائنات متثاقفة وبعيدة كل البعد عن المثقفين الحقيقيين الذين يحملون مشروعا جادا متجذرا في عمق الجماهير
وبعد هذه التجربة المريرة اصبحت لا اثق في هذا الكائن المتثاقف الذي لايستطيع ان يصارح نفسه بحقيقته وبدور ويبيع مبادئه بابخس الاثمان في كل الاسواق السياسية، ويخون قاعدته الانتخابية..ويعشق الصالونات ويكره الميدان
فكيف له ان يقيم علائق مع غيره من ابناء المجتمع الذي يعيش فيه او الجماهير العريضة التي لاتهتم بالضرورة بما يهتم به في برجه العاجي ، من افكار طوباوية ومشاريع وهمية ..
ان التعالي او ” التكسال ” بالمفهوم العامي الواضح والقريب من الفهم سمة تطبع جبين هذا المتثاقف المتعالي وهي الحاجز الكبير الذي يحول دون اندماجه في اهتمامات الاخرين ولهذا يعيش لنفسه ولنفسه فقط ، ولذلك لايستطيع النظر خارج رقعته. ومثلما كان متثاقفونا كانت السلطة التي تحكمهم بقبضة الخوف والترهيب، فهم يصفونها بالجهل والامية والغباء، وهي صفات نابعة من الواقع لهذه النخبة البئيسة نفسهاوقد قيل ينطق السفيه بما فيه ..
ان التثاقف ادي بالضرورة الى ظهور فئة المتثاقفين على مسرح الحياة السياسية ونظرا للتناقض الصارخ بينهم دفعت الاحداث المتسارعة بهم الى النفق المسدود وذلك لتشابك المصالح، ينتشرون في كل مكان داخل المجتمع ويحتلون مناصب ومراكز هامة ولهم منابر خاصة يطلون منها على المجتمع محاولين تشكيل رأي عام يصفق لهم ويبارك ماتصنعه افكارهم ولوكانت تؤدي مباشرة الى جهنم ..
المتثاقف الصدامي المتهور
هذا المتثاقف فاعل في البداية ومفعول به في النهاية، رافض مرفوع الراس وعلامة رفعه ورفضه عراقية تقليدية يضعهاعلى راسه، ويستعملها فيما بعد كرمز ودليل بسيط لصحة افكاره:اذاكانت العراقية اصغر من راسه ، فهل في هذه الحالة يستبدل العراقية ام يستبدل رأسه ؟ وهوسواء تعلم في جامعات الغرب او تلقى تعليما تقليديا يرفض هذا الغرب الكافرالصليبي ، ويرفض اشكال الموضة التي فصلها بيار كاردان وايف سان لوران ،وفي الوقت نفسه يحل لبس احذية اديداس الرياضية ،و ركوب “المرسيدس ” لانها ناقة مودرن ، يتركها تجوب الشوارع في احدى الولايات اثناء الحملة الانتخابية ، وحيث ينتهي البنزين يقيم ليلته حتى لايغضب الانصار ومن هذه القاعدة ، ينطلق في التعبئة لاسقاط النظام الحاكم المتهم بالفساد والميوعة.. ان صوته نابع من معاناة المجتمع الناقم على نظام الحكم والتواق للانتقام ولذلك يتسم خطابه بتعبئة ثورية انقلابية وتساعده المساجد الحرة التي شجعها النظام الانفتاحي لترجم صوامعها معسكرات الشيوعيين ، وتصبح الصلوات الخمس غير كافية ، فتسن النوافل الجديدة :الندوات والحلقات والاشرطة وتصبح اجبارية على الاتباع لسماع الدروس والمواعظ التحريضية لاقتلاع جذورالطاغوت وضعضعة اسس الجمهورية..
.. وهذا المتثاقف كان يتمتع بثقة مفرطة في افكاره واتباعه وهذه الثقة المفرطة كانت وبالا عليه..حاول ان يواجه النظام وجها لوجه على طريقة الكوبوي الامريكي ، ويتسلم السلطة في ظرف قياسي وبابخس الاثمان وعلى طبق من ذهب ويقيم الدولة التي يريد ..ينظم العصيان المدني ،والمسيرات الحاشدة ، ويشل الحركة ،ويستفز الاخرين باللباس الافغاني واللحي السوداء الطويلة والاحذية الرياضية
بالشعارات البراقة الهلامية الميتافيزيقية استطاع المتثاقف الصدامي المتهور، ان يلهب الشباب العاطل او المعطل واليائس من الواقع ، ويشق لهم بعصاه طريقا في المجهول، وعندما يلتفت هذا المتثاقف الى هذا الحشد والسيل العرمرم فلابد ان يتيه نشوة ولايتردد في التلميح بانه المهدي المنتظر الذي يقيم العدل في الارض ويقبل االلجوء الى التدجيل الالكتروني، وهو يدعي انه يحارب الدجل ، فيستغل براءة التيكنولوجيا ويكتب بالليزراسم الله ، في سماء الملعب الذي يخطب فيه /لان المساجد لم تعد تستوعب جيش الانصار/ ليخر له الاتباع ساجدين طائعين غير شاكين وغير مناقشين المشروع /السري جدا / ، وليؤمن به كل المترددين ..وتصبح الصورة طبق الاصل لمعجزة التأييد الرباني تباع بسعر غير معقول في انحاء الجمهورية ..وياله من دجل سياسوي ..
انه ينادي بالشورى ويقول ان الديموقراطية كفر،ولكنه يقبل بالديموقراطية للوصول الى الحكم و يتوعدها بتقويض اركانها في سبيل الجمهورية الاسلامية /لاشرقية ولاغربية/ وهكذا يحاكي النماذج الصورية الجاهزة السودانية والافغانية والايرانية ويصبح الاتباع مجرد عارضي الزي وتصبح لهم القاب جديدة صهيب ، مصعب ،ابو فلان ، ويصبح المسك والكحل افضل انواع الزينة ، وفي الوقت الذي يدجن المرأة في / الحجاب ثم التشادور/ ولايسمح بسماع صوتها لانه عورة، يجندها هي ايضا وتصبح تملأ التجمعات بحضورها .وتصبح رقما مهما في تغليب الصناديق لصالحه ففي ظرف قياسي تعلمت الجاهلات الرقم 6 الذي اصبح فيما بعد رقم التشاؤم للديموقراطيين ..عمل جبار لم يستطع ان يقوم به حتى انصار المرأة .و لو اقتدى به كل حزب منافس لكنا محونا امية الارقام في ظرف قياسي ..ورغم انه كان يحرم الصورة في جريدته ، فانه يضطر ليركب رجليه ويتوجه الى التلفزيون ليرد على خصومه الذين اتهموه بالتهور والجنون، ولكن قبل ان يدوس على فتواه ، يقبض عليه رجال النظام برفق ويقودونه بعيدا عن الانظار حيث يقضي بطالة سياسية في زنزانة مظلمة يعيد النظر في افكاره واحلامه وتهوره ..ويترك نار الغضب تأتي على الاخضر واليابس .
المتثاقف المناور
لقد نشأ وترعرع مع المتثاقف المتهور الصدامي، واكلا وشربا من نبع واحد،واقسما ان يعيشا معا ويموتا معا من اجل تحقيق الرسالة الربانية على هذه الارض، ولذلك فهما يحملان فكرة واحدة ورسالة واحدة الى المجتمع / احلال الماضي في الحاضر ودفن الحاضر في الماضي / اما المستقبل فليس من اختصاصهما ،لانه غيب لايعلمه الا الله
ولما نضج المشروع الكبير على نار هادئة، وحان الوقت للمجاهرة بالعصيان والمغامرة، واختلط الحابل بالنابل ووقع المتهورالصدامي في الفخ المنصوب له، قصر المتثاقف المناور لحيته ونزع قندورته وفصل “كوستيمة” آخر موضة وقال نحن لسنا مثلهم نؤمن باللعبة الديموقراطية، و نقول بالشوراقراطية ، ونحب الحاضركما هو، ونحب الجمال والغناء النظيف ، ولكن لا احد يفرض علينا ربطة عنق.. ومن شاء ان يصلي فليصل ومن شاء الرقص فليرقص ولا اكراه في الدين..سنة الله في خلقه ..عندما تجمع المعارضة في الخارج على عقد تاريخي ينص على تداول السلطة ويطالب النظام بالانفتاح الديموقراطي ، يتحفظ المناور على العقد بل ويطعن في شرعيته ويحسب حساباته النفعية ويساند النظام ويدعمه ويسمح له بالتناسل الداخلي .. يدخل الانتخابات ويحصد/ زكارة فالنظام/ اصوات غالبية المصوتين لكنه يفضل ان يزكي مرشح النظام ويقبض العمولة ، وبعد ان يدخل بلاط السلطة يدعي انه مادخلها طمعا انما من اجل فهم كواليسها ودهاليزها ..وفي الدورة القادمة للانتخابات يترشح وترفض جمارك التاريخ ترشحه لانه لايملك شهادة المشاركة في الغزوات التحررية .. وبدل ان يعلن موقفا حازما من النظام يرتمي اكثر في احضانه و يساند مرشحه لرئاسة الجمهورية ، وفي الانتخابات التشريعية والبلدية تعاقبه الصناديق بحرمانه من مقاعد كان يتمتع بها في البرلمان ، وتعلن سحبها بساط الثقة من تحت اقدامه .لكنه مايكاد يفيق من الغيبوبة الانتخابية حتى يفكر في طريقة اخرى تزكي النظام وتطيل من عمره الاكلينيكي حتى يحتفظ بحقائبه الوزارية ليعرف اكثر خبايا وكواليس السرايا ..وليشهد التاريخ انه كان وراء توالد النظام ذاتيا وعودته في صورة /قودزيلا / اكثر شراسة واكثر وحشية ليسجل حضوره غير الشرفي في الفية المعلوماتية والمعرفة وحقوق الانسان..
المتثاقف العسكرياتي
هو نموذج حاضر بالقوة في المجتمع باسم الشرعية والثورة والتاريخ، حظه التعليمي قليل جدا ان لم يكن اصلا ، ودبلومه الوحيد التاريخ النضالي المجهول ممضي على بياض ،وسجله التجاري المتعدد الخدمات والمنافع، ولذلك لايستحي من ترداد عبارته المستهلكة: ان خبرته في الحياة /حياة الكفاح وحياة النضال/ افضل من عشرات الديبلومات التي يحصل عليها شباب اليوم من اكبر جامعات الدنيا، وهي كافية لتجعل منه انسانا قائدا قادرا على المسؤولية والقيادة .. ولان حياة الملتير رتيبة ومملة وفيها بطالة مقنعة لان الانقلابات اصبحت موضة كلاسيكية غير مرغوبة،والحدود مؤمنة والاتفاقيات السلمية موقعة مع الجيران ولذلك فهولايرضى بهذه الحياة فقط انما تمتد اصابعه الطويلة داخل المجتمع باحثة عن مساحات نفوذ جديدة تسهل عملية الانتشار والهيمنة، والهجوم مستفيدا من الخطط النظرية التي لم يجربها للاسف في الميدان الحربي ، فهو يتدخل لتوظيف بيدق هنا وبيدق هناك لتكون عيونه في كل مكان ويتجلى ظله في سماء وتصل انامله الى كل مفيد .
هذا المتثاقف يرفض ان يتهم بادخال انفه في السياسة ، لان السياسة حسبه لعبة عيال، وهو كبيرعلى اللعب ، لان طبعه جاد وصارم، ولايحب الا لتواءات والمناورات ، فاذا اراد شيئا يقول له كن فيكون ، والسياسة حسبه غير نظيفة ، وهو لايحب تلطيخ بزته المكوية بقاذورات الساسة، وهوان تورط في السياسة ينشىء حزبا من العدم في ظروف قياسية ويصبح حزب الرئيس يدخل على ظهره/ مثل فيل ابرهة الحبشي / الانتخابات ويفوز بها تعنتيرا وتزويرا ومن لايعجبه الامر الواقع فليخبط رأسه ، وهو ان فضل ان يتاجر /لانه لايحب بطبعه الهجرة ولايحب ان يفعل مثلما فعل ماجر ، فانه يختار التجارة الخاريجة والاستيراد تحديدا فعندما تتنازل الدولة عن احتكار مادة حساسة يكون سباقا لاحتكارها ولايترك منافسا واحدا يزاحمه، ورغم انه ابن الماضي فهو يكره هذاالماضي ولايحب من يذكره به ، ولذلك يفضل الحاضر لانه نفعي ومفيد وكذلك يحب المستقبل لانه فرصة للتوسع والتغلل والانتشاروالهجوم المباغت على مواقع محددة كاهداف استراتيجية. و عندما يسمع هذا المتثاقف صهيل خيول الماضي الجامحة تجوب الشوارع الرئيسية للعاصمة فلابد ان يستشعر عن بعد بحس الملتير، الخطر الداهم ولابد من خطة تكتيكية للقضاء على هذا العدو المباغت الذي يريد ان يفسد خططه “المدنية”، ولانه يجهل طبيعة العدوالجديد يبحث حوله عن خبراء يفهمون في فقه التحليل والتدجيل السياسي لوضع الحواجز لكبح جماح الطوفان، ولكنه قبل ان يلتفت حوله حتى يطرق بابه المتثاقف المتربص عارضا خدماته للقضاء على هذا الطاعون الفتاك، من اجل انقاذ الجمهورية، الوكر المشترك للجميع ..
المتثاقف المتربص
مهما كان لونه شيوعي ميوعي ديموقراطي،نقابي ، لائكي عدمي ، يقول لك انا مسلم بالفطرة، يشهد باسم الجمهورية ويبسمل بالديموقراطية، وينسى اسم الله ، وعندما تساله عن القبلة يقول لك بادب: انا ساكن جديد .. وعندما تساله عن قواعد الاسلام يقول لك: جدي كان شيخ زاوية .وعندما تغوص معه في الاعماق يقول لك لاتدخل الدين في السياسة، ولما تقول له هل اديت الخدمة الوطنية يقول لك انا اكره العسكر.. هذا المتثاقف يكره الماضي ويكره الحاضروالعسكر ايضا ولايحب الا الغد /المستقبل حيث تكون احلامه وطموحاته قد اينعت ووجدت من يعتني بها.ويصبح له شأن .. في الماضي لم يكن له شأن في المجتمع وفي الحاضر وجد نفسه يهذي مثل المجنون وافكاره التنويرية تعبث بها رياح الماضوية والظلامية وتقتلعها من جذورها وتحرقها بلهيبها ، ولذلك لايستحي حين يصرح بعد ان يقصيه صندوق الديموقراطية: اني اخطأت في هذا الشعب.. ويضيع في زحمة الحياة في نقل حاضر/الذي سيصبح ماضيا / مجتمعات اخرى الى غد مجتمعه فبدل البحث عن الطرائق والبدائل للتمكين للجمهورية الفاضلة التي يبشر بها يتحول مشروعه الكبير للقضاء على الماضي والماضوية والظلامية ولانه ضعيف ولاحول ولاقوة له ، وليس له الجيش العرمرم مثل الذي روضه المتثاقف الصدامي واصبح رهن اشارته يموت في سبيل الله وفي سبيل القضية المقدسة.. لتصبح جمهوريته ميتافيزيقية اكثر من جمهورية غريمه، ولانه يخاف على انصاره/ اصحاب الياقات البيضاء/ الكوادر،المندسين في مفاصل الدولة والمنتفعين من الريوع بعيدا عن الانظار فانه يامرهم بالتقية حتى يحين الحين وتدور الدائرة..وتفعل الجدلية فعلها التاريخي المرجو .. ويبدأ البحث عن حليف قوي له السطوة والجبروت للوقوف في وجه المارد، ورب مصلحة خير من الف مبدأ ..
تتجه الانظار الى العدو اللدود صاحب البزة له السلطة والقدرة على اتخاذ أي مبادرة ردعية حتى لو داس الصندوق الانتخابي خيار الشعب برنجاسه او دبابته، لابد من التحالف معه من اجل القضاء على هذا البعبع اللعين، وانقاذ الجمهورية من الزوال وبعدها سيكون لكل حادث حديث ..
المتثاقف المتهافت
ولد وترعرع بين احضان النظام ..انه المنظر الحقيقي لشكل النظام القائم .. كان وراء ميثاق طرابلس ،كما كان وراء وثيقة الصومام، والميثاق الوطني البومديني، والميثاق الوطني الشاذلي، فهو حاضربالقوة وبالفعل في كل المواثيق التي لجأت اليها الانظمة المتعاقبة والتي تلغي بعضها بعضا، لعدم الانسجام الايديولوجي والمصلحي للزعماء، ولكنه بثقافته الفرانكوفيلية المندمجة المطلعة على بانوراما الافكار والايديولوجيات الغربية، يحاول ان يسدي الخدمة لسيده ويريه الطريق الصحيح، حسب متطلبات العصر، فهو اشتراكي لما تكون الاشتراكية واقفة وعندما تسقط يصبح لبيراليا، ومن كثرة مايخدم النظام يصبح هو النظام نفسه، ويصبح هو الدولة
فمن كاتب عمومي للنظام ، يصبح مستشارا، ثم وزيرا ثم سفيرا ثم عضو الخماسية ثم رئيس حكومة حيث تصبح امكانيات الدولة بيده فيغير مواقع الرعب وترتكب المجازر الوحشية ويختفي الالاف من الادمغة في ظروف غامضة .. ولكنه سرعان مايسقط من صهوة الحكومة ليصبح زعيم حزب معارض/ ياللمفارقة / ويحاول ان يعود الى الواجهة او القمة لان روح سيزيف تسكنه حتى النخاع فهومثل السمك لايتصور نفسه خارج منافع النظام وللاسف يرسب في اول امتحان ليكون رئيسا للدولة التي خدمها ونظر لها طيلة حياته لان نصاب التوقيعات يخونه فجأة، فيصدمه ويعكس له حجمه وحقيقته ..
يدعي فخرا انه حذر الامريكيين من خطر الاصولية ولكنهم لم يسمعوا نصائحه الذهبية ولو سمعوا له لتجنبوا فاجعة 11 سبتمبر.. هذا المتثاقف المتهافت لايحمل مشروعا واضحا لجمهوريته بقدر مايحمل ديناميتا فكريا فتاكا لسحق الاصولية
المتثاقف الفتاتي
هذا المتثاقف أ صبح في سنوات الازمة ضروريا كالملح في الطعام ، كديكور ، يلجأ اليه اصحاب الحل والربط في ظل نموذج الدولة الانتقالية او اللا دولة ،القافزة على الدستور وكل قوانين الجمهورية ، وهو بدوره يجد نفسه مستعدا فطريا و تلقائيا ليلعب على الحبال التي لعب عليها السياسيون الكبار عندما كان يتفرج على المشهد في سيرك السياسة البهيج، فهو بعدما جرب كل التجارب لم يستطع ان يكون شيئا مهما يشار له بالبنان واصبح كل من يريد ان يكون شيئا مهما عليه ان يتمسح باحذية الساسة الميامين او يمدح العساكر ويدافع عنهم ويبعد عنهم الشبهات المريبة التي يلصقها بهم الحساد اوضعاف النفوس . وبالتالي لايهمه كيفية الوصول الى هرم السلطة،او سلطة الواجهة : الانتخابات المزورة، والتعيينات المشبوهة، والاقصاءات القاتلة للكفاءة .. انه متثاقف براغماتي لايستحي ولذلك يفعل مايشاء ويقول مايشاء ويدعي زورا لغسل جنابته، انه حل محل الرديئين، ليثقف الساسة والسياسة، ومع مرالزمن نكتشف زيف وخداع هذا الفتاتي الذي يأكل من فضلات الاسياد ، فلا هو ثقفهم واصلح من حالهم ومن سلوكاتهم العدوانية تجاه الرعية، ولاهم قبلوه بينهم فاصبح منهم وله كلمة بينهم، واصبح حاله كحال الذي جاء يقلد مشية غيره فنسي مشيته.
المثقف المستتر .
بعد تقديم هذه النماذج المتثاقفة التي تلعب في الساحة السياسية لعبة القط والفأر دون تقديم البديل الحقيقي الذي ينقذ المجتمع من الغرق، الا يحق لنا البحث عن نموذج لمثقف وليس متثاقف نبت في تربة هذه الارض وشرب اوجاعها والمه ما اصابها من ابنائها، هذا المثقف يجب ان يكون من طينة مختلفة..هذا المثقف موجود ولكنه مستتر، انه خلف المسرح يغمره الظلام وهو يشاهد المهازل تلو المهازل ولايحب ان يلطخ سمعته وافكاره النيرة لان حسب اعتقاده من يخالط الدجاج ينقبه ..ولكنه حان الوقت بعد ان احترقت اوراق المزيفين ، واصبح المجتمع تائها لايدري اين يتجه بعد سنوات التيه العصيبة ،.. اليوم بعدما كذب الواقع كل الفلسفات الخرفة والاماني الزائفة ، الا يحق لهولاء المستترين الصادقين ان يمدوا ارجلهم بعد ان كشف المزيفون عن هرائهم يجب ان يكونوا في المقدمة وليس في الخلف ، ويجب ان يستمدوا شرعيتهم وقوتهم من معرفتهم التي اكتسبوها طيلة سنوات ، لانها سلاح العصرالجديد ، الذي يزدري الرداءة ، والدجل السياسوي ..
كمال قرور
Filed under: مقالات صحفية لكمال قرور | Tagged: مقالات صحفية لكمال قرور | Leave a comment »