شهادة ضد الريح .. الايام الادبية لمدينة العلمة

الايام الادبية لمدينة العلمة،تدخل عقدها الثاني ولكن بخطوات مترددة ،نظرا للمحيط غير الصحي الذي تتنفس فيه . و مهما قيل عن هذه الايام ،فانها تبقى مكسبا ثقافيا واعلاميا للمدينة، حيث اعطاها – قبل ان تعطيها التجارة –  شهرة تحسدها عليها كل مدن الوطن..

ومع مرور الزمن بقيت الايام الادبية في طبعاتها المختلفة ،تجارب مختلفة، منفعلة وغير فاعلة، لافتقارها الى الرؤيا الفكرية العميقة والواضحة،والى التسيير الجيد للطاقات المالية والبشرية.. ولهذا لم تسمح بتراكم الخبرة والمعرفة، رغم انها تواصلت زمنيا وتقطعت فكريا،واشعلت نيران الفتن بين الاصدقاء والاحباب ،وصارت بعد مرور السنوات ، مثل الحجر الاسود ،الذي تقاتلت عليه قبائل قريش ،من اجل رفعه، فكل قبيلة تدعي انها احق به من غيرها. والحقيقة ان ابناء المدينة ساهمواجميعهم غير مقصرين، كل حسب طاقته ومعرفته ونيته، في وضع لبنات هذا الصرح الثقافي ، وفي تواصله عبر السنين ، وليس لاحد الادعاء ، زورا وبهتانا،انها ملكه اوانه اعطاها اكثر مما تستحق، او من حقه ان يستولي عليها او يورثها لاحفاده ..فلافضل لشاعرعلى ناثر ،او صحفي على حرفي ، او سياسي على بزناسي الابالنوايا الحسنة والفعل الثقافي الجميل ..

  الايام الادبية لمدينة العلمة،تدخل عقدها الثاني ولكن بخطوات مترددة ،نظرا للمحيط غير الصحي الذي تتنفس فيه . و مهما قيل عن هذه الايام ،فانها تبقى مكسبا ثقافيا واعلاميا للمدينة، حيث اعطاها – قبل ان تعطيها التجارة –  شهرة تحسدها عليها كل مدن الوطن..ومع مرور الزمن بقيت الايام الادبية في طبعاتها المختلفة ،تجارب مختلفة، منفعلة وغير فاعلة، لافتقارها الى الرؤيا الفكرية العميقة والواضحة،والى التسيير الجيد للطاقات المالية والبشرية.. ولهذا لم تسمح بتراكم الخبرة والمعرفة، رغم انها تواصلت زمنيا وتقطعت فكريا،واشعلت نيران الفتن بين الاصدقاء والاحباب ،وصارت بعد مرور السنوات ، مثل الحجر الاسود ،الذي تقاتلت عليه قبائل قريش ،من اجل رفعه، فكل قبيلة تدعي انها احق به من غيرها. والحقيقة ان ابناء المدينة ساهمواجميعهم غير مقصرين، كل حسب طاقته ومعرفته ونيته، في وضع لبنات هذا الصرح الثقافي ، وفي تواصله عبر السنين ، وليس لاحد الادعاء ، زورا وبهتانا،انها ملكه اوانه اعطاها اكثر مما تستحق، او من حقه ان يستولي عليها او يورثها لاحفاده ..فلافضل لشاعرعلى ناثر ،او صحفي على حرفي ، او سياسي على بزناسي الابالنوايا الحسنة والفعل الثقافي الجميل ..

 سلبيات يمكن تجاوزها :

بقدر ماحافظت الايام الادبية على تواصلها ، لم تحافظ على عذريتها وتوهجها فاصبحت تجري وراء الصخب الاعلامي الزائف وتركت المشروع الثقافي الجاد .وبقدر ما اصبحت قبلة الادباء ، فقد فرقتهم ومزقتهم ، فهم ياكلون كل عام غلتها ويسبون ملتها على صفحات الجرائد وفي جلساتهم الحميمية .حيث اصبحت هذه الايام  سيئة السمعة عند المثقفين انفسهم وعند ابناء المدينة ايضا .لانها كرمت من لايستحق التكريم واقصت من يستحقه ، واساءت الى رموز ثقافية امثال الطاهر وطار وسعد بوعقبة ومحمد لزرق رحمه الله .بالاضافة الى مسابقاتها التي وضعت الحواجز المزيفة في طريق المبدعين الحقيقيين .. والحقيقة ان ادباء معروفين وطنيا ساهموا – غيرة وحسدا –  في تكسير هذا المنبر لتمييع رسالته واطفاء شموعه .والمبادرة الطيبة التي قامت بها الايام في احدى طبعاتها هي طبع اعمال بعض مبدعي المدينة  ، لكن للاسف العمل كان ارتجاليا ومظهريا يركز على الكم ولايهتم بالنوع، ناهيك عن اهانة المبدعين انفسهم وكانهم يتسولون ، بينماالمال مال الثقافة وهم احق به من غيرهم ، وهذا الاسلوب الاشهاري لايخدم ابدا المبدعين و الابداع وان كنا نثمن هذه المبادرة رغم نقائصها ،فاننا نستغرب كيف يقبل المثقفون ان يصرف باسمهم كل عام حوالي سبعين مليون سنتيما تذهب تنفق على الاكل والنوم ولايصرف دينار واحد على طبع عمل ثقافي جاد ، يبقى للاجيال . ان المشكلة في مدينة العلمة ليست مطروحة ماليا كما هي مطروحة في بقية مدن الجمهورية ، وانما تكمن في تسيير هذه الاموال لان من يمثلون الثقافة هم وحدهم المسؤولون عن مصير اموال الثقافة .ان المتتبع لهذه الايام الادبية يدرك بفطنته انهااقبرت مبدعي المدينة الكثيرين ولمعت اشباه الادباء علىالمستوى الوطني واعطتهم اكثر ممايستحقون.وتركت السياسيين يعبثون بها ويمسحون فيها حماقاتهم ؟ لهذه الاسباب وغيرها ،بقيت الايام في مكانها لاتكاد تخطو خطوة الى الامام حتى تعود خطوات الى الوراء ، لايتراكم فيها الفعل الثقافي والمعرفي بقدر مايتراكم فيها الصراع الدونكيشوتي على الريوع وعلى الزعامات الوهمية ..لانها بكل بساطة اصبحت غاية وليست وسيلة . 

ملاحظات ايجابية لايستهان بها

 الافضل ان تستمر الايام كمؤسسة مهيكلة، لتبقىمنبرا وتقليدا لتكريس الفعل الثقافي الحر…بدل الاختفاء والتبخر في خضم الصراعات الزائفة على الزعامة . ولكن قبل ذلك ، عليها بالنقد الذاتي الايجابي الذي يصحح لها وجهتها ويحدد لها اهدافها القريبة والبعيدة ..لقد كشفت في طبعاتها المختلفة عن اصوات ادبية واعدة، وساهمت في احتكاك الادباء .وخلقت تقاليد ثقافية حسنةوتوسعت تجربتها الى مدن اخرى مثل عنابة ، قسنطينة ، جيجل ، بجاية ، وهران ، الجلفة .برج بوعريريج ، سطيف .. 

اقتراحات لقفزة ثقافية نوعية

 الايام الادبية محكوم عليها بالفشل والتبخر ،ان لم تتحول الى مؤسسة مهيكلة ومؤطرة من طرف رجال الثقافة انفسهم وتحدد هدفها جيدا وهو : ابراز الطاقات الابداعية المحلية ثم الوطنية .لتصبح منبرا حرا ديموقراطيا لكل الاتجاهات والايديولوجيات دون اقصاء .وتكون متفتحة على الاصالة والمعاصرة .الافضل ان تختار المدعوين من الادباء والاساتذة المحاضرين بعناية وتدفع لهم مكافآت على اتعابهم تثمينا لجهودهم ورفع معنوياتهم لتقديم الجديد والاصيل .ويستحسن ان تسمح للهواة والطلبة في ربوع الوطن بحضور فعالياتها وذلك بتحمل بعض التكاليف.او نصفها على الاقل .ولتميزالايام عليها ان تحدد موضوع طبعاتها وتحصر اشكالياتها في دراسة القضايا الادبية والفكرية المطروحة وطنيا وعربيا وعالميا مثل : دراسة موضوع ادبي او فكري او معرفي معين ، نوع ادبي ، اتجاه ادبي او فكري ، تجربة اديب ، منهج جديد …الخ.والافضل ان يحدد الموضوع قبل اشهر ليسهل على المشاركين البحث فيه حتى لاتسقط في الاجترار.وعلىالايام ان تكرس تقليد طبع الاعمال المشاركة للحفاظ على الذاكرة ولخلق تراكم معرفي .كما نحبذ تكريس طبع عمل واحد فقط  في كل دورة – بعد ان توافق عليه لجنة القراءة –  وفي شتى مجالات الابداع والفكر والمعرفة / حتى لاتميع القضية ويفسح المجال للرداءة ، ويطبع العمل قبل الايام ، ليكون جاهزا اثناءها ويحظى صاحبه بالتقديم و التكريم والاشهاربين الادباء وفي وسائل الاعلام المختلفة .وبهذا الاسلوب الحضاري نخلق التقليد الثقافي المتميز والذي يصبح هدف التنافس النبيل بين المبدعين انفسهم …بعيدا عن التطبيل والتزمير . هذه بعض الملاحظات التي سجلناها مساهمة منا في فتح مجال النقاش نتمنى ان لايبخل كل الذين شاركوا فيها بابداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم، حتى يكتمل التصور لهذا الصرح الذي ننشده جميعا ..

عن ماركيتينغ الخطاب …. وصناعة المعرفة

   كنت اقرأ لبن زيان واحتفظ بمقالاته التحليلية والتفكيكية الرصينة ، ولذلك اصطفيته صديقا حميما دون ان التقي به ، مثلمااصطفيت لوركا وديستوفيسكي  وروسو والجاحظ  وبن نبي دون ان التقي بهم.. لكني حين قرأت في المدة الاخيرة  رده على الكاتب جمال نصر الله على صفحات الخبر تزعزعت صورته الميثالية قليلا  في نفسي ، لذلك لم يفاجئني رده على مقالي /الجعجعة والطحين /  حيث كنت متقبلا لرد فعله الانساني ولن اقول العدواني احتراما لمقالاته الجميلة التي احتفظ بها في ارشيفي وانا هنا اعذره لاني اعرفه كيف يفكر واعرف الحقل المعرفي التي يتحرك فيه واعرف ردود افعاله في بعض الحالات دون ان احيط بكل الحالات ، بينما هو للاسف لايعرفني ولايعرف ماذا اكتب وفيما اكتب وماهو مشروعي ان كان لي مشروع حقا ، لقد فهمت من رده انه يعتبر نفسه حامي المعبد ولذلك يسلك السلوك الاقصائي العنيف مع كل الذين يحاولون الاقتراب من المعبد بدون تأشيرة طبعا ..

   لم اكن في مقالي – كما يدعي ابن زيان-  متطفلا ولم اكن واعظا ولم اكن ادورالدوران الهدام ، مثل ثور الساقية  ،ولم تكن في نيتي ان افسد عليه وعلى رفاقه بسطتهم الحميمية التي لم تتجاوزهم للاسف.. فاذا كانت نية الاصدقاء ان لايتدخل احد في النقاش فكان الاجدر ان يكتبوا ملاحظة: رجاء لاتزعجونا نحن نفكر وننظر..او يجلسوا في صالون مكيف ويتحدثوا فيما يشاؤون حتى يغلبكم النعاس .. اما اذا كانوا يريدون ان يسمعوا صدى اصواتهم فقط تعكسه اقلام غيرهم فهذا ايضا غير مجد ، والدليل انه لا احد تدخل وردد الصدى  ..فهل هي طبخة غير ناضجة ؟ قد يكون تدخلي نشازا لانه لايرقى الى التنظير والتفلسيف  وخاصة ان لغتي تخفي في احشائها سلاح الدارجة الكيماوي الذي يخترق حجب الخطاب المتعالي .. ولكن كان دفاعي عن الاختلاف كافيا ليشفع لي حارس المعبد وللاسف ذلك لم يحدث ….

  لقد حاولت قدر المستطاع ان ادافع عن الحقيقة التي قد يهتك شرفها في مخدعها ليلة زفافها على ايدي فرسان الرواية الجديدة ولم تكن في نيتي تصفية حسابات مع أي واحد من الاصدقاء.. فاذا كان حميد قد كتب الانزلاق بالعربية وبالفرنسية ثم توقف عن كتابة الرواية وتحول الى كتابة القصة القصيرة- حسب تصريحاته الاخيرة- والى الكتابات التاريخية التي يصلح لها – حسب رأي مفتي الذي لم يعجبه في رواية هذا الاخير الا لقطات …..فعن اية تجربة روائية  يمكن ان يحدثنا عنها حميد في غياب التراكم الذاتي مادام قد استبعد من تنظيره التراكم الروائي الوطاري مثلا  ؟ وماذا تضيف للقارىء  /الصراعات الذاتية/ لمفتي – حسب تعبيرابن زيان – هل تتجدد التجربة كل مرة وتغنيه ام توقعه في شرك الروتين  ؟ ..

ماركيتيغ الخطاب

عندما كتبت مقالي كنت اغمزالى خطورة الخطاب المتعالي المغلق الذي يدور في حلقة مفرغة منساقا وراء سراب  الذاتية الافتراضي بعيدا عن حقائق الواقع ..

لقد حاولت ان استدرج الاصدقاء الى حقل واسع ليخرجوا من قوقة المونولوجات التي تعيشون فيها ، الى فضاء اوسع وارحب ليكون الخطاب مفتوحا على الاخر/المتلقي وتكون الفائدة اعم .. وحتى نكون عمليين كم نسخة باعها حميد من روايته وباللغتين وكم كان سيبيع لوترجمها الى الامازيغية ايضا ؟اليست لغة وطنية ومدسترة ؟  وكم باع مفتي من رواياته وقصصه القصيرة ؟ قد يكون هذا المقياس غير صائب دائما للحكم على أي خطاب جمالي ولكن، هل يمكن الحديث عن اعمال ضخمة وتجارب رائدة قبل ان يفصل فيهاالقارىء المستهلك الحقيقي للخطاب الجمالي؟لا اظن هؤلاء الكتاب المشهورين الذين يتقاذف الاصدقاء باسمائهم يطبعون مائة نسخة او حتى الف نسخة.ان اهتمامننا اليوم ينصب على احدى عناصر سوسيولوجيا الخطاب وهي ماركيتينغ الخطاب او تسويق الخطاب في زمن الصناعة المعرفية للبحث عن خصائص جماهيرية الخطاب ، وان كان هذا اجتهاد منا فانا لانريد فرضه على احد ، وعندما يقول بن زيان ان حميد قد اسر اليه في احد المعارض باننا في حاجة الى الرواية البوليسية ، فاني اعيب ذلك على حميد لانه احيانا لخوفه يؤمن بأشياء ولايحاول اشراك الاخرين همومه ، بينما ينتقي مايريد ان يطلع الاخرين عليه ولذلك لايكون دائما موفقا .. انني من المدافعين عن تعدد الخطاب الروائي ، ومن المحرضين على بروز الخطاب الجماهيري في شتى المجالات ؟ لماذا نتشبث بالخطاب الاحادي النخبوي المغلق الذي يولد في الانابيب ويموت فيها دون ان يذوق طعم الحياة والانتشار ..لماذا نحرم صانع الخطاب من أي نعمة مادية قد يدرها عليه انتاجه ، هل قدره ان يعيش فقيرا معدوما ، انها نظرة خاطئة للمنتوج .

  فبعد تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في القرن الماضي ، اصبحت اليوم تطرح نفسها بديلا لكل التيكنولوجيات الكلاسيكية ومن هذا المنطلق جاءت الفكرة لاقتحام حقل التسويق الجمالي/المعرفي وهذا الاقتحام يسمح لنا بزحزحة الاشكاليات القديمة التي لم تعد مثمرة .بل اصبحت قاتلة في احيان كثيرة.. .  

 ان تطور العصريوجب علينا ان نغير نظرتنا الكلاسية الى الخطابات الجمالية/: نص سردي / نص شعري او ملحمي / نص مسرحي / لوحة / فيلم / ايقاع ..من كونها ترف فكري الى النظر اليها على انها مادة سلعية استهلاكية قابلة للتسويق الجماهيري

 وهذه المقاربة جاءت لتحرث الذهنيات القديمة البالية التي لم تستطع فهم العصر وتصرعلى العيش في القوقعة الحلزونية المظلمة الخالية من كل متع الحياة .

ان صانعي الخطاب الجمالي / المعرفي ونحن هنا نفضل هذه التسمية البراغماتية الجديدة بدل التسمية الكلاسيكية/ الفنانون المبدعون/ وهي تسمية ذات ابعاد ميتافيزيقية،ان كانت تحقق لهم بعض النرجسية الانسانية والتي تجعلهم يتسامون على الاخرين .. فان ذلك لايطعمهم من جوع ولايامنهم من خوف  في غالب الاحيان ويعيشون حياة هامشية بئيسة .

 ان هذا التبرير الانفعالي الهش يجد ضالته عند هؤلاء /الصناع المثرثرون / الذين يتعالون في ابراجهم السامقة  على الواقع وعلى المستهلك المفترض وينظرون نظرة احتقار الى الجماهير المنغمسة في مشاكلها اليومية ،وهذا الموقف السلبي الذي يقفه هؤلاء السذج يجعلهم بمنأي عن رؤية عيوبهم في مرآة الحقيقة وبالتالي لايقدمون نقدا لاذعا او قل تانيبا خفيفا لذواتهم ، فيبقون جامدين في مكانهم لايبرحونه قيد انملة ولايتقدمون خطوة واحدة الى الامام ، وقد قيل من لايتقدم يتاخر..

وحتى لانتهم مرة اخرى بالدوران الفارغ فاني ضربت مثلا بالخطاب البوطاجيني المنفتح علىالانسانية وعلى المتلقي المستهلك، وهو بما يحمله من قيم وجماليات وجرأة ووقاحة يخرجه عن المألوف والسائد يقف في وجه كل السلط  المتجبرة رغم انه يتدثر بعباءة اللامنتمي ولكنه لامنتمي من طينة خاصة . ولهذا يصبح الخطاب البوطاجيني مشروع خطاب جماهيري ممتاز.يتفاعل معه المتلقي ايجابيا يحقق المتعة والوعي والمنفعة ايضا .. ولكنه مازال اسير موضة الالف نسخة التي تقيده وتحول بينه وبين جماهيريته .      

 عن صناعة المعرفة

عندما يشعر كل مبدع في أي مجال ان مايكتبه له قيمة ويعود عليه بالنفع المادي والمعنوي سيتحفز ويطور نفسه ، ويطور اكثر خطابه ،وحين يجد الخطاب / المنتوج سوقا له فان جمهور المستهلكين هم اول من يرفع او يخفض بورصة المبدعين ويكشف حتما المبدعين الخلاقين والمبدعين المزيفين ..أعرف ان هذه الفلسفة البراغماتية غير واردة في حقلنا السخافي المتسيب الهش، الخاضع للاهواء والنزوات ..ولكن يجب ان نبشر بها مهما كان الثمن ..  

وحتى يتشكل هذا الوعي الاقتصادي للجماليات ، لابد من مرحلة تحسيس للمشتغلين في الحقل الابداعي ليرتقوا بانفسهم وافكارهم من السخافة الى الثقافة الفاعلة ، أي يتخلصوا من نرجسيتهم ويطرحوا الاسئلة الجوهرية : ماذا نبدع ؟ وكيف نبدع ؟ ولمن نبدع ؟ هذه الاسئلة تحدد معالم الطريق الطويل والشاق وتختصر مسافة التيه والضياع في قفارالعبث والطيش ..وبكل صراحة يجب ان يتخلى المبدعون/ المنتجون/ عن التجريدات والتهويمات وهم يجتهدون ليحلوا مشكلتهم الروتينية المؤرقة لماذا نبدع ؟ انها اشكالية المترفين وللاسف فارغة المحتوى .  

لان في هذا السؤال تشكيك وريبة في العملية برمتها ومعنى هذا ان صاحبها غير مقتنع بها وغير قادر على فرض الذات ومنافسة الغير .فليكن كل مبدع تتوقد فيه شعلة الابداع ، مؤسسة منتجة قائمة بذاتها.فيسأل نفسه السؤال الاقتصادي الواضح : ماذا انتج؟ وكيف انتج ؟ ولمن انتج ؟

 فهو هنا سيحدد مجال الانتاج عن قناعة لانه يملك خبرة كافية وله دراية ومعرفة ، فهواذا ، يعرف مايفعل . ويستطيع ان يسيطر على منتوجه ويخرجه في الشكل الذي يريد وحسب مواصفات معينة،وحسب ماهو مطلوب ومرغوب من طرف الزبائن المستهلكين ، الذين يكون على دراية بهم مسبقا وبنفسياتهم وسلوكهم الاستهلاكي ..

اننا في حاجة ماسة اليوم الى منتجي القصص العاطفية ، ومنتجي القصص التاريخية ،ومنتجي الرواية البوليسية ومنتجي الخيال العلمي التي تراعي قيمنا وهذا يعني اننا في حاجة الى ادب جماهيري في طبعات شعبية تصل المستهلك الحاصل على نسبة من التعليم حيثما كان و باسعار مغرية ..نحن في حاجة الى من يلبي الشهوة الاستهلاكية لاطفالنا : قصص مصورة ، افلام كارتون ، اناشيد ، مسرحيات  ، عرائس القاراقوز . نحن في حاجة الى من  يكتب سيناريوهات لانتاج افلام ومسلسلات كوميدية ودرامية للصغار والكبار .. نحن في حاجة الى من ينتج الحانا جميلة تربي ذوق الصغار حتى يكبروا ؟ ان كل فن او منتوج ابداعي يحتاج الى دورة مثل المنتوج الصناعي تماما ، وقد يكتفي بنفسه ، وقد يصبح مادة تحويلية يعاد تركيبها وتعليبها في شكل جديد حسب الفن الجديد الذي استعارها ..

ان تكنولوجيا الملتمديا قربت لاول مرة في تاريخ الحضارة البشرية بين الكتابة والصورة والصوت وآخت بين الفنون كلها وخلقت نموذج العصر ..فهل نتخلف نحن عن هذا الفتح العظيم ونبقى اسرى القوالب القديمة البالية .

ان مناخ عصرنا الملائم للخلق والابداع وصناعة المعرفة، يتطلب تواصل المبدعين فيما بينهم ، وتكامل اعمالهم للحصول على منتوج جيد له قيمة معنوية مثلما له قيمة مادية ..

اننا اليوم مطالبون للخروج من  كهوف غفلتنا الى عالم الابداع الحقيقي عالم الصناعة المعرفية، الذي يثمن الاعمال الفنية الخالصة ويجد لها شبكة كبيرة متطروة لتسويقها داخليا وخارجيا ،وبالتالي يرفع من مكانة صاحبها اجتماعيا ، ولهذا فان المبدع /المنتج / الصانع/ الذي يجب ان يعي جيدا الدورة الاستهلاكية لابداعه/منتوجه عليه ايضا ان يفهم انه لاينتج في جزيرة معزولة وانما مطالب بالتكامل مع الاخرين ليحقق الفعالية المرجوة ..

والقضية الجوهرية المطروحة اليوم امام الوعي الجزائري هي:  كيف نفكر في المشروع الثقافي الهادف وفق سياسة ثقافية واضحة المعالم جذورها في عمق الطاسيلي وفروعها في فضاء كل القارات مع تحديد الوسائل وتجنيد الطاقات المبدعة؟

 والحقيقة ان هذا الطموح المشروع  يتطلب اعادة النظر في دورالوزارة الوصية و المؤسسات الثقافية القائمة والمشرفين عليها والتمويل المخصص لها،واذا كانت رموزالسلطة المتعاقبة قد استهلكت مشروعها الفاشل في اربعين سنة ، الا يحق اليوم ان يبادر المثقفون الفاعلون انفسهم بطرح مشاريع مختلفة عن تلك المشاريع المألوفة لتحديد استراتيجية ثقافية قادرة على توفير مناخ الابداع وترقية الصناعات المعرفية ، التي اصبحت صناعة العصر ؟

قد يبدو لبن زيان اني خرجت على الموضوع ، ولكني كنت على هامشه وهاانا الآن في صلبه ، ولاني احترمه اتمنى ان يخوض معنا فيه بما يملك من قدرات معرفية ومنهجية كما اتمنى ان يدلي كل مهتم بدلوه ولو خالفنا الرأي.. ففي الاختلاف رحمة كما جاء في الاثر..

الجعجعة والطحين …

شيء عن الرواية .. واشياء عن التواضع

  اصدقاؤنا الكتاب حميد عبد القادر ، مفتي ، بن زيان ، قلولي ، يناقشون بالملحق الادبي لليوم  ، مسألة في غاية الاهمية والغواية ، وهي الرواية الجديدة ، التي يكتبونها او خاضوا تجارب في بحورها وهم بالتالي يتحدثون عن انفسهم / من باب حوحو يشكر روحو/ متسرعين قبل ان يتحدث عنهم النقاد والحساد واصحاب النميمة والنوايا التعيسة ، وانا لا الومهم على مايفعلونه في غياب القراءات الجادة التي تضعهم في مكانهم الادبي المناسب ، فهم على الاقل كتبوا واخرجوا ماكتبوا للناس في ظروف قاسية وهم اليوم يحاولون ان يقنعوا هؤلاء الناس /ان وجدوا طبعا / بطريقة الكتابة والتعامل مع الواقع والتاريخ والايديولوجية ،وان كانت النية حسنة ، فكل مايخيفني ان تتحول كتابات اصدقائي الكتاب الذين اكن لهم كل الخير الى حواشي لشرح متون قد تكون راشية واهية مثل بيت العنكبوت لان موهبة اصدقائي ، مازالت تبحث عن صقل واصطدام عنيف ،اعنف من الواقع الاحمر الذي عاشوه في عشرية حمراء كما يصفونها وهي ليست كذلك بالضرورة لانهم يرون لونا واحدا وهذا خطأ منهجي في التفكير ، ولكني اعذرهم لانهم منحدرون من صلب السلطة الرابعة التي كرست ذلك ..واذا كان الاصدقاء يؤمنون بالاختلاف ويدافعون عنه ، فليسمحوا لنا بالاختلاف الودي معهم ، ليس حبا في الاختلاف ولكن من اجل توسيع رقعة التفكير الجاد والخيال الواسع

أي لون ستستعملون يااصدقائي حين يتواضع البنان ،ويصبح اكلة شعبية ويرتفع شأن البطاطا لتصبح طبق المقالي المفضل .. هل تذكرون لما وصل سعررأس الجزائري الى  350مليون سنتيم ؟ لست ادري بكم بيعت رأس ارخس وارخص واخرص جزائري ؟ كيف كان شعور الواحد منكم وهو يقرأ ذلك في افيشات معلقة على الجدران على طريقة افلام الويستيرن ، قد يكون – خطأ – رأسي او رأسكم او تشابها في الاسماء ، او رأس احد الاصدقاء او الاقارب ، كيف كان هذا المشهد الميلودرامي /الذي احتكرته طويلا افلام الواستيرن / ثم عادت اليه كحل بئيس في سلسلتها الجديدة في العراق مع صدام واكثر من اربعين حرامي…هل تذكرون عندما تستر النظام على جريمة خطف 10  الاف اطار اصبحوا يعرفون في ادبيات السياسة  /بالمفقودين /  ، ثم حاول ان يرشي عائلاتهم ب 100 مليون سنتيم مقابل الصمت وضرب النح ، هل وجدتم مثلا يغسل عارنا غير مثل القذافي هذه الايام مع حكاية التعويضات الحاتمية ؟ هل تذكرون عندما اصبح ثمن البصل والسكرمائة دينار حاشاكم ؟ هل تذكرون ندرة المياه وكيف بدأوا يفكرون في طراباندو استيراد المياه / ثم تحلية مياه البحر لتدويش كلابهم لانهم وكلابهم يشربون المياه المعدنية/ ايفري وسيدي الكبير/ .من فكر يومها من السيناتورات  المنتخبة، عن طريق الصناديق الخاصة والماصة للحق ، في المواطن البواطن/ الصوت الانتخابي الحر/ ماذا يأكل وماذا يشرب، وتحت أي انقاض ينام ؟

اليست هذه النكت البايخة ياسادتي الكتاب: قادرة على تفنيد اطروحتكم الاحادية اللون التي ترى الواقع الجزائري من ثقب صغير، ولست ادري مانوع هذاالثقب وماحجمه

انني اسوق هذه الامثلة من اجل تفكيك اطروحة الراهن التي تتغنون بها وترتكزون عليها كمنطلق في كتاباتكم المبشرة بالقطيعة مع الماضي،و دون شك فان هذا القصور في الرؤية يؤثر حتما على جماليات الكتابة وخاصة الرواية التي تحتاج الى مخزون هائل من التجربة والمشاهدة والتوثيق والمعارف والاخيلة والاساليب .. بصراحةهذا الاتجاه الجديد للزرع الادبي في الحقول الجزائرية اجده عند بوطاجين لعنه الله وابقاه منارة وبلارة للجيل الجديد..لانه لمس الجرح الاخر، الذي خفي على الكثيرين من نجوم الادب الجديد ، حيث خاض فيه وصال وجال وكسر اللغة الخشبية وصنعها من جديد وفتح حقولا جديدة للبوح بكاسحة الغامه وتعرى قبالة الطابوهات الوهمية فانكشف المستور تلقائيا دون جعجعة في زمن الطحين الادبي الحداثي .

ان اصدقائي الكتاب يريدون القفز على الواقع ، وانا لااريدهم ان يتسرعوا ، بلجوئهم الى تهديم اصنام الجيل السابق ليفسح لهم المجال للظهور كنجوم السينما الهوليودية ، وانا اكثرهم كرها لذلك الادب البئيس، ولكن لست متحاملا على كاتبيه . لاني بعد ان اطلعت على بعض النماذج التي كتبها ادباء الانسانية كفرت بأدبنا وتمنيت لو لم اطلع عليه الا بعد الاطلاع على  آداب الاخرين  ..

  ان ادبنا ادب نمطي مقولب خطابي سطحي ايديولوجي ،لغته ركيكة ومفبركة ومصطنعة ، يفتقر الى الخيال الواسع والاسلوب الجميل واللغة الشاعرية ،  و رغم ذلك  فان بن هدوقة لواكتفى بريح الجنوب فقط  لكان كاتبا ، والطاهر وطارلوكتب فقط الحوات والقصر،لكان مبدعا، وقد يكتب لنا مستقبلا الافضل ، ولو سيرته الذاتية التي نطمح ان تكون اجمل ماسيكتب ، وهناك ابداع جميل في الكتابات الخجولة لبلحسن ، والكتابات المقصية لبقطاش  والتجريبية لدودووالجريئة لاحلام مستغانمي والمخصية للحبيب السايح  ورغم كل ذلك ،صدقوني اني لم اتذوق ورقة واحدة مما كتبه الاستاذ الاكاديمي واسيني مع احترامي لشخصه ومكانته العلمية..

لنأخذ العبرة من ادباء مصر ، فالجيل الذي جاء بعد محفوظ وخرج من عباءته لم يقتل معلمه او شيخه بل مجده وعظمه وبقي وفيا له يسبح بحمده وريادته في السر والعلن ، ورغم مغامرة اكثرهم في الكتابة والتجريب ، يجمعون على انه لايوجد تحت جبة الرواية العربية الا محفوظ وهذا اكبرانصاف و تكريم له..ونعم التواضع ونعم الاخلاق .

اليس من حقنا اليوم ان نضع وطارالمثقف الفعال وليس المنفعل/ مهما اختلفنا معه ايديولوجيا وادبيا / في مكانه الذي يليق به كانسان اولا وكروائي ثانيا، ونعتذر له كوننا لم نسانده حتى في المواقف البطولية الجريئة التي ظل يجاهر بها كل حين منتصرا للحق والعدل ، وتركناه وحيدا يصارع طواحين الباطل ، الم نكن يومها جبناء و عديمي ضمير ؟

لن يكون هذا الرجل البسيط سدا في طريق أي احد من الادباء الشباب ،يريد ان يشق طريقه الابداعي نحو التالق والشهرة،بل علينا ان نبني على الاسس التي تعب وتعب الاخرون في وضعها مهما كان خلافنا معهم ..

  ان اصعب شيء في هذه القضية هو : ان نلغي هذا التراكم بجرة قلم ونعدمه قبل ان نميز بين غثه وسمينه ،و نعود الى الصفر نخبط خبط عشواء، ونحترف اليتم الادبي معذبين ذواتنا ونحن في غنى عن ذلك ..

 اليوم من حقنا ان نفخر،وقد جزأرنا اقدم واعرق نص قصصي / الحمار الذهبي / لابوليوس ، في انتظاران ينفض الغبار عن منامات الوهراني ..وتجزأر بقية النصوص الجميلة التي احتضنتها للاسف لغة الاخرفاضافت لها سحر الشمال الافريقي وحرمت اللغة الوطنية من هذا التراكم الجمالي ..  والله اعلم .

وللحديث بقايا .. 

الدولة والبواطن ….تلك هي المهزلة ..

قرأت يوم :  3 اوت 2003  مقال الاستاذ سعدي: الدولة والمواطن : الصورة والانعكاس ، والحقيقة انا من القراء الاوفياء لمقالات الاستاذ سعدي التي يدبج بها كل اسبوع زاوية نظره في مؤخرة الشروق او على ظهرها او على صدرها..الخ من التعابير حتى لاتعثر بنا بغلة التعبير في محظورات الكنايات والتصاوير..المهم  يعتبرمقال الاستاذ سعدي حلقة من حلقات الخطاب العقلاني التنويري الذي يحاول منذ مدة في شكل حملة ذات منفعة عامة لمقاومة ناموس وجراد التفكيرالسائد، لتصحيح المفاهيم وطرح طرائق جديدة في حقول المعرفة، للفهم والبحث والنقاش ، للخروج من المأزق الحضاري الذي وجدنا انفسنا غارقين في اوحاله .. والغريب ان ما يكتبه الاستاذ سعدي على اهميته ،لايلقى الصدى المطلوب / نقاشا وسجالا / على صفحات الجريدة ، او هكذا يخيل الي ،  وربما نفس الاهتمام يسكن الاستاذ ،لان كل كاتب  مثقف يحمل هم رسالة حضارية يريد ان يكون له انصاره يؤازرونه ويقاسمونه همومه واحلامه ، وقد يجد الاستاذ في محيطه الضيق بعض الاشارات والتنبيهات  الشفوية ، من بعض الاصدقاء والزملاء والطلبة والتي يعجز اصحابها عن كتابتها وتسجيلها وارسالها لتنشرها الصحيفة حتى تكون الفائدة اعم ، وقد اكون مخطئا كون الاستاذ ينشر عنوانه على الشبكة الدولية للمعلومات وقد تكون هذه النعمة الالكترونية المعادية للرداءة والتقوقع قد فتحت مجالا الكترونيا اخر للحوار والنقاش واستثمار الافكار .تحدث الاستاذ في مقاله الاخير ، وهو غالبا مايفتح هذا الموضوع الحساس الذي لايثرى ولايناقش ، عن صورة الدولة،  وصورة الدولة تعكس بالضرورة صورة المواطن ، وقيمة الدولة تساوي قيمة المواطن ،وهما وجهان لعملة واحدة كما يقال ، ولكننا نادرا مانجد مثل هذه المقاربات التي تشفي الغليل ، كوننا غالبا ما نواجه التحليلات البراغماتية السريالية التي تخلط الامور في بعضها ولاتضع ، عمدا، المشكل الحقيقي في مكانه المناسب ، لان الذين يتحدثون كثيرا باسم الدولة الجزائرية ، لايتحدثون غالبا عن البواطن الجزائري ولايلمسون بالتالي الجرح المؤلم، واذا ذكروه فمن باب مجاملات :الذكرى تنفع المؤمنين ،وليس من باب التأكيد على حقيقة ثابة في طرفي المعادلة ، التي  يقفزعليها الساسة والانتهازيون الذين يرقصون على جراح التاريخ وانتفاخ الجغرافيا  ان الحديث اليوم عن تهريب الاطارات والادمغة وافراغ الدولة من المادة الرمادية او من الرؤوس النووية المدبرة وغير المدمرة ، هو حديث عن قيمة تزهق يوميا بعد ان وفر لها الانصار البراغماتيون المناخ الملائم والمتمثل في الاغتيال المحلي باشكاله وانواعه، وللاسف لم نستطع ان نتجرأ ونطرح السؤال الجهنمي من يقتل من ؟ حتى فجره الاخرون في اشكال مغلوطة وملفقة وربما نكاية ووشاية وليس حبا فينا وفي دمنا المزهوق، حدث كل هذا ونحن ذاهلون وختمنا ذهولنا بمحاولة بئيسة لتأسيس موضة كتابة الراهن..واي راهن؟  والحديث يطول ايضا عن تصدير الجزائريين للحروب الدولية المفتعلة ،ليموتوا شهداء او يؤسروا في معتقلات باكستان او غوانتانامو دون تدخل من الدولة، او بتواطؤ من العناصر البراغماتية الدنيئة ، للقيام بالواجب الوقائي قبل حدوث الفواجع او بعدها متحملة مسؤوليتها عن ابنائها ولو كانوا مخطئين ، هل وجدتم ابا يحب لابنائه الشر او يتخلى عنهم في حالة اقترافهم الاخطاء الجسيمة .   ولكن قبل ان نسأل عن مصير الادمغة والمهجرين والمصدرين والمغرر بهم في الحروب الدولية ، نسأل عن مصير ثلاثين مليونا من البواطنين الجزائريين الذين مازالوا يعيشون العزلة القاتلة والمهينة بين خطي شال وموريس ..ماذا فعل بهم النظام المتمدد دائما وغير المتبدد ، حتى اصبحوا نموذا عالميا سيئا يشار اليه بالاصبع للمقاربة السيئة،اليست الكلاب والدببة في سيرك العالم افضل من هذا البواطن الغلبان المدعو جزائري ..ان اكبر معركة اليوم وغدا في الجزائرالتي يمكن ان يؤججها المثقفون الفاعلون /وليسوا المتثاقفين/ هي اعادة النظر في مفهوم اصبح غريبا ولايعطي مدلوله الحقيقي وهو مفهوم المواطن الذ ي تسوقه السياسة البراغماتية الموبوءة بالفشل دوما ، لاننا بصدد الحديث عن /البواطن / هذا الكائن الغريزي المغيب في الواقع ، والمطلوب تربيته وتثقيفه ليرتقي الى مكانته الحقيقية ليصبح مواطنا حقيقيا له واجباته وحقوقه ، وهذا يتطلب اعادة النظر في الدولة الكولونيالية الجديدة ، ونقد سلوكاتها العدوانية تجاه هذا البواطن الانديجاني المحتقر المسكين .. الذي تحتاجه السلطة فقط في الانتخابات المزورة /دائما/ لتاكيد حضورها ، ولو بتحريض من مغني كباريهات عريق  كالمازوني : فوطي .. وضم صوتك لسوطي ..وهي دعوة صريحة ومقززة لتدعيم ديكتاتورية السوط ..ع
ن طريق حق طبيعي مشروع ..   
لن نستطيع التقدم خطوة واحدة الى الامام مالم نعلم ونربي جيلا كاملا يقول بفخر انا مواطن ولست بواطنا ، اناالدولة والاخرون انكشاريون قراصنة لصوص ،ويقوم بالواجب للدفاع عن حقه وكيانه ، ويكف عن تعابيرمثل: / دولتهم/ وكم في هذه التعابير من الغاء للذات ونفي لها واخراجها من محيط المشاركة الايجابية الى التقوقع والحياد ، والحياد حتى لوكان ايجابيا فهو الغاء للانا في احايين كثيرة ، ونحن في حاجة الى تكاتف الانوات للتواصل وتاجيج شرارة الفعالية هذه الحلقة الاجتماعية المفقودة في الوطن ،ماذا يجمع بين الانوات اليوم في ظل التهاب سؤال الهوية الجارح ، واذا كان التاريخ قد حملنا جميعا الى بر الامان اليس بوسع الحاضر ان يتسع صدره لنا ، اليس من حقنا ان نفكر في المستقبل او المصير المشترك بعيدا عن النعرات والقلاقل التي يشعلها في اعشاش تفكيرنا الواهن  بعض المستفيدين من الوضع الراهن .واذا عشنا قرونا ملتفتين الى ورائنا اليس الاجدر ان تشرئب اعناقنا ولومرة واحدة الىعقد من الزمن الاتي ..   ان التراكم الحضاري  المغشوش وغير المتجانس وغير المبني على الاسس الصحيحة ، والخاضع احيانا للنزوات والتطور غير الطبيعي للاستقلال ، هذه الظروف عجلت بظهور ايديولوجية  الانكشارية من الباب الواسع لتستحل البلد وتسحق البواطن التعيس  بأن تجعله اخرشيء في اجندة اهتمامها تتذكره في المسيرات العفوية المشبوهة،و الكرنفالات ليمثل دور دب السيرك المدرب على اداء دوره البهلواني المتقن ..ويبقىالسؤال المشروع اليوم: هل نبحث عن صورة الدولة في جيوب  المواطن ام نبحث عن مصيرالمواطن في دهاليز الدولة ؟.. والاشكالية الحقيقية التي تؤرقني هي: كيف نؤسس دولة راعية ونربي مواطنا فعالا وتلك هي المشكلة يا استاذ سعدي ..

صناعة ثقافية.. بديلة للسخافة

هاهو بن قطاف يعود من الخارج الى وكره القديم المسرح ، كالعادة ينصب مديرا على المسرح الوطني ليكون الرقم 15 في تاريخ التادول المغلق على قلعة السكوار ،كما يتداول السياسيون في حلقتهم المفرغة على كرسي المرادية، وهاهو صديقه /الشاغيف / زياني يخرج من باب المسرح الخلفي بعدما جاء هاربا من روماتيزم الشمال ، وعين مديرا لنفس المسرح ، لكنه فضل ان يكون ربا يونانيا يامر وينهى ولااحد يشاركه في هذه الربوبية الا انانيته المفرطة في الضحالة .

 رحل /الشاغيف / اذا ، دون ان يحاسب ،ودون ان يطلب منه احد فاتورة الحساب، دار عمي موح اشرب وروح ، وقد كان وعد في ضجة اعلامية غير مسبوقة، باعادة الجمهور الى المسرح ، ولكن بشهادة صاحبه  ورفيق دربه فان هذا الاخير، لم يجد شيئا يذكربعد ان استوي على عرش السكوار : هرب الممثلون ، هرب العاملون ، وربما هربت الكراسي ايضا ولم ينتبه اليها السيد/ البنقطاف / العائد من الخارج. فكيف يأتي الجمهور الى الخشبة والوضع الكارثي للمسرح الوطني اصبح لايطاق .؟

يحدث كل هذا ، ومؤسساتنا الموقرة مشغولة طيلة عام كامل بارسال الوفود الفلكلورية  للترفيه السخافوي عن الفرانساويين ..انه الخراب الثقافي/السخافي ..فبدل ان ننفق الاموال الطائلة فيما يفيد ويقدم الافضل في المجال الثقافي رحنا نبعثر المال العام في مكان اهله اعلم بانفسنا منا ولكن ستكون النتيجة وخيمة والحصاد مرا ، وهاهي احدى القلاع /المسرح / تسارع الى اعلان الافلاس المبكر قبل انتهاء العام ،على لسان المدير الجديد الذي لم يجد العروض الجاهزة ليغسل بها ماء الوجه قبالة السلطات العمومية التي جاءت به، وثبتته كما ثبت زورا وبهتانا خاتم معاوية ، ولم يجد النصوص ، ولم يجد الممثلين ، والعاملين ، فماذا بقي بربكم في المسرح الوطني ،غير الجرذان ، بعد سنوات من الترميم والتبليط والتزفيت والتزويق والتمقريط ؟ الاتوجد هيئة وطنية لها صلاحية محاسبة / الشاغيف/المدير السابق الذي تأله ووعد بالكثير من اجل عودة الجمهور الى المسرح ، لكنه مرمد المسرح الوطني وخربه ولم يترك فيه شيئا يصلح لخلفه البنقطاف ؟ انها مهزلة العام السخافي الجزائري في /باغيس/ .. فاذا كان حال المسرح قد انكشف بسرعة البرق ، فكيف حال السينما ، والادب ؟ لن نتعجل ستنكشف كل الاوراق تباعا وان غدا لناظره قريب ..   

الاشكاليات  …القاتلة .

نقطة جوهرية طرحها البنقطاف وهو محق فيها، هي ندرة النصوص المسرحية المكتوبة للمسرح خاصة من طرف مؤلفين حياديين ان صحت العبارة أي بعيدين عن المسرح ، وذلك للخروج من السياسة العقيمة المتبعة منذ الاستقلال: زيتنا في دقيقنا التي انتهى بها المطاف الى انتاج ردىء لايعمر طويلا ، ولايجد من يستهلكه من الجمهور الباحث عن الجديد الممتع والمفيد ، لانه بكل بساطة منتوج فاسد وبيرمي .. ويقر البنقطاف ان سبب هذه الازمة ترجع الى انانية المشتغلين في مجال الابداع الثقافي والى انعدام التواصل بين كتاب النصوص المسرحية والمسرحيين انفسهم وهذا ماولد هذه القطيعة التي انعكست سلبا على المسرح ..واذا كنا ههنا نثمن هذه الفكرة ، فاننا نعود الى زمن قريب مضى حيث كانت الاصوات ترتفع على المنابر الاعلامية : منها من ينادي باللغة الفصحي للمسرح ومنهم من ينادي بالدارجة ومنهم من ينادي باللغة الثالثة ومنهم من ينادي بالفرانساوية ومنهم من ينادي بالامازيغية ، وهي اشكالية مغلوطة كما بقية الاشكاليات المطروحة للنقاش في الساحة الثقافية.. هاهي نتيجة التنظيرالخرف بعد سنوات الخراب السخافي .. جاء البنقطاف نجم المسرح العام والخاص ولم يجد نصوصا صالحة للمسرح الوطني : لابالفصحى ولا بالدارجة ولا بالفرانساوية ولا بالامازيغية التي دسترها بكل تاغنانت رئيس الجمهورية..نحن اليوم في مازق تراجيدي خطيروهو :ان نكون او لانكون .. نحن نواجه العولمة بصدور عارية وبدون دروع او واقيات لسموم الاسواق العابرة للقارات والعقول والمخادع .وليتنا فسحنا المجال للكاتبين بالفصحى و العامية و الفرانساوية و الامازيغية ليبدعوا ويقدموا منتوجهم الخام للمسرحيين ليعرضوه على الخشبة والجمهور هو الحكم ،بل السوق هو الحكم ، انه زمن السوق المفتوح الذي فض بكارة آخرالايديولوجيات على سور برلين العظيم وعلى المباشر.. وسوقنا اليوم مفتوح للجميع وياحبذا لو كانت مسارحنا تقدم ولو شيئا قليلا بهذه اللغات كلها،المهم ان يكون ممتعا ومفيدا وفيه شيء من رائحة وتوابل الوطن ، بدل حالة الركود والتحجر والموت المبكر ، ماذا جنينا من خراب بعد طرح الاشكاليات المتعصبة القاتلة ؟ قتلنا المبدعين وقتلنا الممثلين وقتلنا المسرح وقتلنا عنصرا فعالا يساهم في اثراء ثقافتنا الوطنية ..لقد قتلنا الانسان ايها السادة، ياللمأساة ..سوناطراك و سخافة البطرول ..           على سوناطراك راني نسال .. لتكن صرخة كل المبدعين  الدولة تخصص ميزانيات ضخمة لتسمين الارجل الرياضية، وتخصص اصفارا مضاعفة للثقافة او السخافة لايهم .و سوناطراك وما ادراك ما سوناطراك الممول الرئيسي لخزينة الدولة ، وفي تصريح لاحد مسؤوليها مؤخرا، كشف فيه انها تضخ المليارات لتسمين الارجل ايضا لتطور كرة القدم التي لاتريد التطور، وتصرف بعض الاصفار على مايسمى مجازا تقافة او سخافة لايهم . مايهم كيف تصر شركة مثل سوناطراك ذات السمعة العالمية على صرف هذه المليارات على تسمين ارجل هذه الاندية العقيمة ، والتي اثبتت فشلها كذا مرة ؟ اني لاعجب كيف يواصل مسؤولو هذه الشركة العملاقة تسييرهم للاموال العمومية بهذا التسيب غير المسؤول ؟ كيف لايحولون جزءا محترما من رعايتهم الى العقول والمادة الرمادية ،كيف لايخصصون جوائز قيمة للمبدعين والباحثين والمخترعين ؟ لماذا لايخصصون منحا للمفكرين والباحثين والمخترعين ليتفرغوا لانجاز اعمالهم مثلما هو معمول به في دول العالم التي تحترم نفسها وتقدر انسانها وتتوسم فيه مستقبلها الخير والمشرق ؟ لماذا يدير مسؤولوسوناطراك ظهورهم للعقول النيرة ويظلون يلهثون وراء الارجل المفلسة التي خيبت كل الامال ؟ واذا كان هذا شأن داخلي لشركتنا العالمية، فاني اعجب ،لماذا لايطالب مثقفونا ومبدعونا بهذا الحق ؟ لماذا لايتكتلون ويتوحدون ويضغطون بكل الوسائل السلمية لأخذ حقهم بأنفسهم معززين مكرمين ؟ ان هذا السلوك  البالي وغير الاقتصادي الذي تنتهجه سوناطراك في الرعاية متكىء على ايديولوجية الريع التعيسة التي اهدرت الاموال الطائلة على قطاعات اتكاليةغير فاعلة، فان هي تفطنت ، فذاك مانبتغيه ، وان هي غضت الطرف ودفنت رأسها في رمال حاسي مسعود وحاسي الرمل فاننا نقول لمسيريها : صح النوم ايها السادة الكرام .. عن صناعة الثقافةعندما يشعر كل مبدع في أي مجال ان مايكتبه له قيمة ويعود عليه بالنفع سيتحفز ويطور نفسه ، ويطور اكثر ابداعه ،وحين يجد الابداع سوقا له فان جمهور المستهلكين هم اول من يرفع او يخفض بورصة المبدعين ويكشف حتماالمبدعين الخلاقين والمبدعين المزيفين ..أعرف ان هذه الفلسفة البراغماتية غير واردة في حقلنا السخافي المتسيب الهش، الخاضع للاهواء والنزوات ..ولكن يجب ان نبشر بها مهما كان الثمن ..وحتى يتشكل هذا الوعي الاقتصادي للجماليات ، لابد من مرحلة تحسيس للمشتغلين في الحقل الابداعي ليرتقوا بانفسهم وافكارهم من السخافة الى الثقافة الفاعلة ، أي يتخلصوا من نرجسيتهم ويطرحوا الاسئلة الجوهرية : ماذا نبدع ؟ وكيف نبدع ؟ ولمن نبدع ؟ هذه الاسئلة تحدد معالم الطريق الطويل والشاق وتختصر مسافة التيه والضياع في قفارالعبث والطيش ..وبكل صراحة يجب ان يتخلى المبدعون/ المنتجون/ عن التجر
دات والتهويمات ليحلوا مشكلتهم الروتينية المؤرقة لماذا نبدع ؟
فليكن كل مبدع تتوقد فيه شعلة الابداع ، مؤسسة منتجة قائمة بذاتها.فيسأل نفسه السؤال الاقتصادي الواضح : ماذا انتج؟ وكيف انتج ؟ ولمن انتج ؟ فهو هنا سيحدد مجال الانتاج عن قناعة لانه يملك خبرة فيه وله دراية ومعرفة ، ولهذا فهو يعرف مايفعل . ويستطيع ان يسيطر على منتوجه ويخرجه في الشكل الذي يريد وحسب مواصفات معينة،وحسب ماهو مطلوب ومرغوب من طرف الزبائن المستهلكين ، الذين يكون على دراية بهم مسبقا وبنفسياتهم وسلوكهم الاستهلاكي .. اننا في حاجة ماسة اليوم الى منتجي القصص العاطفية ، ومنتجي القصص التاريخية ، ومنتجي الخيال العلمي التي تراعي قيمنا وهذا يعني اننا في حاجة الى ادب جماهيري في طبعات شعبية تصل المستهلك الحاصل على نسبة من التعليم حيثما كان و باسعار مغرية ..نحن في حاجة الى من يلبي الشهوة الاستهلاكية لاطفالنا : قصص مصورة ، افلام كارتون ، اناشيد ، مسرحيات  ، عرائس القاراقوز . نحن في حاجة الى من  يكتب سيناريوهات لانتاج افلام ومسلسلات كوميدية ودرامية للصغار والكبار .. نحن في حاجة الى من ينتج الحانا جميلة تربي ذوق الصغار حتى يكبروا ؟ ان كل فن او منتوج ابداعي يحتاج الى دورة مثل المنتوج الصناعي تماما ، وقد يكتفي بنفسه ، وقد يصبح مادة تحويلية يعاد تركيبها وتعليبها في شكل جديد حسب الفن الجديد الذي استعارها ..وهاهي تكنولوجياالملتمديا قربت لاول مرة في تاريخ الحضارة البشرية بين الكتابة والصورة والصوت وآخت بين الفنون كلها وخلقت نموذج العصر ..ان مناخ عصرنا الملائم للخلق والابداع، يتطلب تواصل المبدعين فيما بينهم ، وتكامل اعمالهم للحصول على منتوج جيد له قيمة معنوية مثلما له قيمة مادية ..اننا اليوم مطالبون للخروج من  كهوف غفلتنا الى عالم الابداع الحقيقي عالم الصناعة الثقافية، الذي يثمن الاعمال الفنية الخالصة ويجد لها سبلا متطروة لتسويقها داخليا وخارجيا ، ولهذا فان المبدع /المنتج / الصانع/ الذي يجب ان يعي جيدا الدورة الاستهلاكية لابداعه/منتوجه عليه ايضا ان يفهم انه لاينتج في جزيرة معزولة وانما مطالب بالتكامل مع الاخرين ليحقق الاهداف المرجوة ..والقضية الجوهرية المطروحة اليوم امام الوعي الجزائري هي:  كيف نفكر في المشروع الثقافي الهادف وفق سياسة ثقافية واضحة المعالم جذورها في عمق الطاسيلي وفروعها في فضاء كل القارات مع تحديد الوسائل وتجنيد الطاقات المبدعة؟ والحقيقة ان هذا الطموح المشروع  يتطلب اعادة النظر في دورالوزارة الوصية و المؤسسات الثقافية القائمة والمشرفين عليها والتمويل المخصص لها،واذا كانت رموزالسلطة المتعاقبة قد استهلكت مشروعها الفاشل في اربعين سنة ، الا يحق اليوم ان يبادر المثقفون الفاعلون انفسهم بطرح مشاريع مختلفة عن تلك المشاريع المألوفة لتحديد استراتيجية ثقافية قادرة على توفير مناخ الابداع والصناعة الثقافية ، التي اصبحت صناعة العصر ؟ 

عاصمة الثقافة العربية كيف تكون ؟

بضعة اشهرفقط ،  تفصلنا عن الموعد التاريخي الذي ترقبه الجزائر لتتوج عاصمة للثقافة العربية . وكم نحن في حاجة الى هذا الحدث القومي الجميل لنعيد ربط علاقاتنا الطبيعية بأشقائنا ونمتنها ، بعد ان ابعدتنا المحن عنهم فابتعدوا بدورهم عنا ونسونا او كادوا  ..واصبحوا لايعرفون عنا شيئا سوى اننا بلد المليون شهيد .. شيء مؤسف ان يحفظ مليون شهيد مجد أمة بينما يضيع هذا المجد ثلاثون مليونا من الاحياء في رمشة عين .. فأي أحياء هؤلاء ؟ يؤسفنا ويؤلمنا كمواطنين ،بعد هذه السنوات الطوال من الاستقلال ،حين نسمع عربيا -سواء كان – فنانا لامعا او مثقفا كبيرا او سياسيا محنكا في أي حوار صحفي يسأل فيه السؤال التقليدي : ماذا يعرف عن الجزائر ؟ فيجيب بتلقائية انها بلد المليون شهيد .. ويبقى يدور في فراغه ونتمنى من اعماقنا ان يذكر شيئا آخر جاء بعد الاستقلال لكن للاسف ، لاشيء  كم كان يسعدنا ، بعد الاستقلال ، ان يردد اخواننا العرب هذه العبارة   معبرين –اخلاصا- عن تعلقهم بالثورة المباركة ومواكبتهم لها بقلوبهم ووجدانهم  ، ولكن شيئا فشيئا وبعد ان جرت السنون بنا وأصبح الاستقلال يحسب بالعقود وليس بالسنوات ، صار هذا الجواب المقرف  يقلقنا ،ويحزننا .وتلك هي مصيبة الجزائر التي تعرف عبر العصور كيف تكسب حروبها وتفشل في كسب سلامها.انه لتقصير كبير من اخواننا العرب الذين لايريدون ان يجهدوا انفسهم لمعرفة أخبارنا وجديدنا وسجنوا انفسهم في حفظ وتمجيد رقم شهداء ثورتنا ..وانه لتقصير منا ايضا ، لانا لم نحاول ان نقدم لاخواننا أخبارنا و جديدنا .. فاذا كان حضورهم الثقافي ببلادنا موجودا في الوسائط الاعلامية  فان حضورنا الثقافي  عندهم منعدم الا استثناء .. وبقدر مانلوم اخواننا نلوم أكثر انفسنا لاننا بكل بساطة لانملك استراتيجية متكاملة وواضحة المعالم لتسويق ثقافتنا وصورتنا ..سيأتي اذا ، كل العرب الينا حاملين صورة نمطية مسبقة عنا بأننا بلد الشهداء ، وبلد التطرف ،وبلد اللا استقرار ..و بلد البترول .. و الدم والعنف .. فبربكم كيف نستطيع ان نمحو آثار هذا التنميط الاعلامي الذي خرب عقول اشقائنا فأصبحوا لايحبون حتى سماع أخبارنا المفرحة  ؟ انها للحظة تاريخية صعبة ، وعلى الجميع ان يحسبوا لها الف حساب ، ولايمكن ان يضيعوها .. ان مسؤولية الجميع هي انجاح هذه التظاهرة لنعطي الوجه الاخر الجميل لبلدنا العريق  ..ان من اولويات الساهرين على انجاح هذه التظاهرة ان يتجنبوا قدر المستطاع مقولة : بضاعتنا ردت الينا .. او بضاعتنا وجدناها امامنا ..ان المطلوب من تجربة الجزائر عاصمة الثقافة العربية ان تكون اضافة للتجارب السابقة المتراكمة ، وعلى مسؤولينا ان يكونوا مطلعين على نقائص وايجابيات من سبقونا لتكون تجربتنا متواصلة مع تجاربهم ومضيفة أكثر للجديد والجيد والمفاجىء ..  .. اذا كان بعض اخواننا العرب يعرفون الروائي الطاهر وطار ، علينا ان نقدم لهم العشرات من امثال الاستاذ المحترم وطار ، واذا كانوا يعرفون الشاب خالد علينا ان نقدم لهم العشرات الذين يختلفون في غنائهم عن خالد ، واذا كانوا يعرفون الرسام عمر راسم ، علينا ان نقدم لهم العشرات من أصحاب الريشة ، واذا كانوا يعرفون لخضر حامينة ، علينا ان نقدم لهم العشرات من السنمائيين الذين يبدعون مثله .. واذا كانوا يعرفون المسرحي بن قطاف ، علينا ان نقدم لهم العشرات من امثاله ..واذا كانوا يعرفون الدكتور محي الدين عميمور ، علينا ان نقدم لهم العشرات من قامته .. فقط لانحب ان يجدوا امامهم نجيب محفوظ مشوه اوادونيس مشوه ، اونانسي مشوهة  او شاهين مشوه ، او الغذامي مشوه ..او ونوس مشوه ..او سلوم حداد مشوه .. نريد ان تكون بضاعتنا اصيلة ومبدعة ، فيها ، شيء من خصوصيتنا ولمسات اضافة وتفرد/الابداع  …ولن يكون ذلك ، صعبا ،اذا فتح منظمو التظاهرة الابواب للوجوه – وما أكثرها – التي تشرف الثقافة الجزائرية ولم يحاصروها في أماكنها حتى لا يسمع بها أحد – كما جرت العادة في بقية التظاهرات التي يظهر فيها الرديؤون لمل ء الفراغ ..انه حقا مصيرنا .. ان نكون او لانكون مستقبلا  في الفضاء العربي الشاسع ..ولهذا السبب ، فان مقابلة الاخوان العرب بطبق ثقافي شهي لايخيفنا بقدر مايخيفنا ان توضع الحواجز المزيفة في طريق الطباخين الماهرين ويستولي طباخو المناسبات والفرص على العرس العربي وبدل ان يطعموا الضيوف الكسكسي الاصيل بلحم الخروف ، يطعموهم الكباب والملوخية والشوارمة وحتى الهامبورغر. علينا ان نطلع اشقاء نا على  حضارتنا الانسانية في الطاسيلي ، وآثار اقدم انسان وجد على الارض بعين الحنش و معسكر ، والاثار الرومانية:  تيمقاد ، جميلة ، تيبازة . واثارالامارات الاسلامية ، كقلعة بني حماد وقلعة اكجن التي انطلقت منها الفتوحات  الفاطمية لفتح مصر.. ومغارة ابن خلدون ، وقصبة العثمانيين . وعلينا أيضاان نطلعهم على تاريخ الاسطول البحري الجزائري الذي ظل لسنوات يجاهد في البحر ، ويدافع عن الامة الاسلام
ة ، حيث انقذ الالاف من الهاربين من محاكم التفتيش الاسبان بعد سقوط غرناطة ، وغروب الزمان الاندلسي ..
علينا أن نصطحب اشقاءنا الى حماماتنا المعدنية لنزيل عنهم غبار النسيان والنكران  ، ونطوف بهم  في واحاتنا وجبالنا .. وشواطئنا ، ونسمعهم  فلكلورنا القبائلي والشاوي والتارقي والنايلي ،لنؤكد لهم اننا لم نكن يوما فرنسيين ولن نكون أبدا .

اذا استطعنا ان نحقق بعض هذا فقد نجحنا ، وحققنا مبتغانا فيعود اشقاؤنا الى ديارهم وقلوبهم معلقة بنا فلن ينسونا أبدا ..وان فشلنا فتلك هي المصيبة ..

صناع الثقافة بين الحرية والخبزة

ان الحديث اليوم، عن أي خطاب او انتاج ثقافي / جمالي ينتج  في مجتمعات تعاني الاخفاق الاقتصادي كما تعاني ازمات اجتماعية ونفسية وحضارية ،وانتهاك صارخ لحقوق الانسان ،لهو حديث سابق لاوانه .هذه  المجتمعات * المجمعات * الهامشية بعيدة عن مركز صناعة الحضارة وساكنة لاتتحرك لانها لاتعرف الوجهة التي يجب ان تتجه اليها،  وبالتالي فهي مثل الاعمى تبحث عن مبصر يريها الطريق.وكان بامكان صناع الثقافة ان يخلقوا الواقع الممكن لكنهم للاسف فشلوا..  في هذه المجتمعات الراكدة يجد صناع الخطاب الثقافي انفسهم في اخر السلم الاجتماعي ، يركبون الدرجة الاخيرة الرخيصة في قطار الحياة ، فهم ينتجون في صمت – وحقوق التأليف غير معترف بها    وبعيدا عن اعين الناس الذين ينظرون اليهم نظرة مريبة بسبب الهالة التي يحاولون ان يظهروا بها .. وهؤلاء الصناع غالبا ماتضيق بهم الحياة فيصرخون صراخا عبثيا في الفراغ بانهم لايجدون من يفهمهم ومن يستهلك انتاجهم ،وهم للاسف لايقومون بالنقد الذاتي ، قد يكون الخطأ فيهم وليس في المستهلكين ..وبعد كل هذا ، يجدهؤلاء – صناع الثقافة – منتوجهم الذي يكرسون له وقتا طويلا من عمرهم لايعوضهم عن مجهوداتهم  فيلجأون  الى مهن اخرى يقتاتون منها ، وهي اغلبها وظائف حكومية توفر لهم المعاش والكسل وتجنبهم التسول ، وان كانت تقيد حريتهم بسلاسل معنوية وتدجنهم . وهم لايفضلون المهن الحرة التي تضمن لهم القوت والحرية معا ، وقد سبقهم صناع الثقافة في الغرب حيث مارسوا مهنا حقيرة ووضيعة من اجل حريتهم ،وتركوا للانسانية منتوجات وخطابات جمالية عظيمة .

صناع الثقافة في الدول الراكدة ، لايتصورون انفسهم يشتغلون الا في الادارات الضخمة داخل مكاتب مكيفة ، وهم بهذا التصور قد ضمنواقوتهم وحملوا سجنهم الابدي معهم منذ الطفولة

حساد كتاب الطبخ وفقه الاستنجاء …

تعفاس الكاتب العبقري  .. وترفاس الصحفي الخماس  

اذكرهنا اني ماحضرت يوما محاضرة او ندوة او” فدوة” ادبية او فكرية ينظمها المتثاقفون، الا وسمعت كاتبا/غير عمومي / متثاقفا يبكي حظه ويشتكي عزوف القراء عن القراءة وينهال على الجميع سبا وشتما ، حتى ان احدهم استغل منبرا اعلاميا يعمل به، بعد صدور باكورته او بطيخته الشعرية ولما لم يجد الاقبال عليها كما كانت توهمه نرجسيته كتب مقالا عنونه : رجاء لاتقرأوا هذا الكتاب .. وهي حيلة منه لدفع فضول القراء لشرائه ومن ثم التفضل بالاطلاع على ماجادت به قريحته ، وربما هذا الشاعر المتطفل على الشعر اراد ان يستغفل القارىْ باللجوء الى بعض الحيل الدعائية المستعملة في مجالات التسويق التجاري من اجل تسويق افكاره ولكني اشك ان تكون حيلته قد نجحت ، لانه اضاف كذبة ثانية كون كتابه اختير في مهرجان عالمي كاحسن ديوان ولذلك تفضل المترجمون بترجمته الى لغة العجم حتى لا اقول الطير.

 واذكر هنااستطرادا خفيفا للعبرة:  حكاية الاديب الكبيرالمعروف الذي ترجمت كتبه الى لغات العالم والذي كان في الماضي اذا تحدث عن قيمة كتبه وقيمة مايكتبه يعطي ارقاما خيالية للمبيعات وتعدد الطبعات في عدة لغات ،وفي الاخير صدمنا عندما وجدناها تباع بالدينار الرمزي وبالكيلوغرام بعد حل الشركة الوطنية للكتاب التي افلست بسبب كتابات هؤلاء التي لايقرأها احد، سمعته في احدى الندوات او “الفدوات” يحتج مثل الاخرين كون روايته الاخيرة صدرت في صمت جنائزي ولم يلتفت اليها احد من النقاد والنقاب و حتى اولائك الصحافيين العاملين في الصفحات او الوريقات الثقافية الناجية من زحف الاشهار، الذين اهداهم بنفسه نسخا موقعة ليقدموها للقراء لم يفعلوا وتقاعسوا عن اداء واجبهم وفضلوا الصمت لاسباب مجهولة . ولكن احد هؤلاء الصحافيين ممن قصدهم الروائي الكبير/ حسب المبيعات طبعا / الى ان يثبت العكس ،كان مندسا بين الحضورفتدخل بعنف زائد عن اللباقة قائلا : انا ارفض ان اكون خماسا عند الاديب أخدمه وأقدمه للقراء ، لان هناك مشاغل كثيرة تنتظرني وتنتظراي صحفي ، والرواية تحتاج الى قراءة قد تستغرق عدة اسابيع لفهمها وتلخيصها والحكم عليها . وفاجأ صحفي اخر الحضور بانه حقيقة استطاع ان يسرق من مشاغله وقتا لقراءة الرواية والكتابة عنها لتقديمها للقراء ، ولما وجد الاخرين اضربوا عن تقديمها اقتدى بهم خوفا كما قال من اعطاء حكم مسبق وتأويل خاطىء للرواية ، ورغم ان هذا الصحفي كان صريحا مع نفسه ومع الاخرين ، الا ان صراحته كانت مفضوحة بسذاجة الاطفال، فلوتجرأ ونشر قراء ته لكانت فاتحة لقراءات اخرى وفتحت باب النقاش على مصراعيه للاخرين المترددين .واراح اديبنا الكبير.. 

 ولكن ماعسانا نقول وهذه العينات مختارة من واقع نعيشه يوميا، مليء بالانهزام والخوف والمؤامرات الدنيئة ، ان اشكالية القراءة كانت ومازالت وستبقى مطروحة ، مادمنا لم نضع ايدينا على الجرح . لان هؤلاء الذين يثيرون القضية من حين الى حين يطرحونها ناقصة او خاطئة وخاصة عندما يعترفون ان الكتب الدينية تلقى الرواج الكبير بين القراء وكذا كتب الطبخ وهذا تناقض صريح وفاضح في طرحهم للقضية فمن جهة الجمهور لايقرأ كتبهم ومن جهة الجمهور يتهافت على الكتاب الديني وكتب الطبخ وغيرها في المكتبات والمعارض .

  والقضية هنا واضحة وتحتاج الى كثير من الجرأة للافصاح عنها . لماذا يتهافت الجمهور على الكتاب الديني وكتب الطبخ ويقاطع كتب ادبائنا العظام/ الرميم ؟

 هذا السؤال بداية الطريق الصحيح لفك رموز الاشكالية المعلقة منذ سنوات والمتثاقفون يحومون حولها ولا يستطيعون التصريح بها .وهذا السؤال الجوهري حري ان يطرحه كل واحد يكتب وينشر ويتهافت على نشر مايكتبه دون تمحيص ودون مراجعة ودون دراية،معتقدا انه فوق كل ذلك لانه نابغة زمانه ، في حين لايجد من يقرأه او يهتم بما يكتبه ويقول : لماذا يتهافت الجمهور على الكتاب الديني وكتب الطبخ ولايهتم بما اكتبه من قصص وروايات واشعار ومقالات وبحوث ودراسات ونقد ؟

  ان الجمهور ، جماهير وهذه الجماهير المستهلكة للجماليات في حاجة اليوم الى نظرة واقعية بعيدا عن النظرة الميتافيزيقية التي انتهى اليها كتابنا فانتهى بهم المطاف الى الافق المسدود الملفق بالاسئلة الوهمية .  

 نحن في حاجة اليوم الى دراسة ميدانية مسحية جادة لمعرفة الخصائص الديموغرافية لمستهلكي الجماليات من حيث النوع والعمر والمستوى التعليمي والدخل

 ماذا يكتب هؤلاء المتثاقفون : الكتبة والمتشاعرون ؟ ماذا يحمل خطابهم ؟ ماهي القيم التي يبشرون بها ويدافعون عنها ؟ وماهي القيم التي ينبذونها ويحاربونها؟ وهل هم صادقين ومؤمنين بما يكتبون ؟بمعنى هل هم مستعدون للدفاع المستميت عن افكارهم وكتاباتهم ان وجدت رفضا ما ؟  ام هم يكتبون فقط كتابات منمقة مزخرفة لغويا ليس لها أي معنى او هدف او موقف او رسالة .هل هم مستعدون للدفاع عن افكارهم او الموت من اجلها ؟ الحقيقة اني رأيت العشرات من اشباه هؤلاء ولم اجد احدا يستطيع ان يكون كذلك للاسف ؟

انت تفكر.. اذن انت تنتج ..

بعد سنوات من الجفاء بين من يفكرون والمتلقين ، نحاول هنا قدر المستطاع ان نزحزح النظرة الكلاسيكية للعامة الى الخطاب الجمالي على انه  مجرد عبث وجنون ، ولايستحق صاحبه الاهتمام والرعاية .. وبعيدا عن ما افرزه واقعنا الهش ، فان اي منتوج فكري ناتج عن جهد ذهني خالص يساوي او يفوق احيانا المنتوج العضلي ,هذا المنتوج قابل للتسويق الداخلي والتسويق الخارجي/ الجغرافي واللغوي/وبامكانه ان يحقق ارباحا فائضة. ومن هذه الزاوية  ننظر الى صناع الخطابات الجمالية والثقافية نظرة اكبار وتقدير وليس نظرة اشفاق او احتقار او تجاهل . ونامل ان يكون من يجد في نفسه القدرة على العطا ء في هذا المجال عند حسن الظن والتبجيل , كما نامل ان يكون صادقا مع نفسه وضميره خالي البال من الاحكام المسبقة والافكار الموبوءة حتى لايخدع نفسه ولايغش الناس .فهو ان التمس في نفسه موهبة في مجال معين وجب عليه ان يتعلم ويتثقف ويطلع على ما انتجه من سبقوه ويحاول تقليدهم في البداية وينسج على منوالهم حتى يستطيع ان يبدع النموذج الخاص به ، الذي يحمل بصماته ..  وبهذا يصبح المجهود/ المنتوج / الفكري مادة استهلاكية تلبي حاجيات المتلقين المستهلكين , وبالتالي فهي لاتعدو ان تكون سلعة كما بقية السلع المنتجة في المصانع قد تكون جيدة وتحتاج الى ميكانيزمات لتوسيع دائرة توزيعها وزيادة استهلاكها في المجتمع , وقد تكون انتاجا رديئا او سيئا غير قابل للاستهلاك والتداول وبالتالي تنتهي مدة صلاحيتهالما يرفض المستهلك الاقبال عليها  ولايمكن ان تلقى الرواج المرغوب .

ولما نقول ان صناعة الخطاب الجمالي كما صناعة أي منتوج استهلاكي يحتاج الى دورة خاصة حتى يحقق معادلته او غائيته،ولهذا فهو في حاجة الى زبون مستهلك واقعي  آني او مستهلك مستقبلي مفترض يتذوقه انسانيا وجماليا ، ويتفاعل معه سلبا او ايجابا وهو من يحدد استمراريته او ينهي تداوله وانطلاقا من هذه النظرة يجب ان يعلم الجميع ان المؤسسة التي تظل تنتج وتكدس منتوجها وتعجز عن تسويقه مصيرها الافلاس الحتمي 

هذا التاريخ .. ما اثقله

حسنا فعل السيد رئيس ا لجمهورية حين الغى استعراضات الجيش الشعبي ليطمئن جيراننا على حسن نوايانا ، ويتأكدوا انناصادقون لانضمر لهم شرا او خديعة .. و بهذه المبادرة الفريدة من نوعها اكد السيد الرئيس، لجيراننا اننا دولة تحترم نفسها وتضحي من اجل جيرانها بافراحها، وليس لها اطماعا توسعية وقد وهبها الله ارضا واسعة بحجم قارة  والحقيقة اني تمنيت لو ان السيد الرئيس الغى الاستعراضات لاسباب موضوعيةاخرى تخصنا ولاتخص جيراننا  ،  لكان ذلك افضل.. ولكانت خطوة اولى نحو النقد الذاتي ومراجعة المسار التاريخي الحافل بالاحباطات والانتكاسات . ان المجاهدين اليوم و بعد خمسين سنة من عمرالثورة مطالبون بالخروج من كهوف التاريخ الى الواقع  بتقديم كشف الحساب لضمائرهم ، وليثبتوا لانفسهم قبل عدوهم انهم كانوا على حق لما رفعوا السلاح من اجل الحرية واسترجاع السيادة ..لقد انتهت سنوات التسويف والارجاء وحان وقت الحساب حقا .. ان ربع قرن من عمر الثورة يحسبه بعض المغفلين هينا وهو عظيم.. بعد خمسين سنة من عمر الثورة ، لايعقل ان يبقى اشقاؤنا يجهلون كل شيء عنا سوى اننا بلد المليون ونصف شهيد .. صحيح اذا كان هذا المليون ونصف من الشهداء قد صنع هذا المجد للبلاد ، فقولوا لي بربكم ماذا فعل بعدهم ثلاثون مليونا جزائريا من الاحياء ، مجاهدون وابناؤهم وموظفون وعمال وفلاحون وطلبة وعمال واطباء ومهندسون ؟  كان الاجدى اليوم ، ان يقدم الشعب الجزائري احتفالات مدنية يستعرض فيها قدراته الفكرية والابداعية  وانجازاته في شتى مجالات الحياة ، بدل الاتكال على جيشه ليقوم باستعراض اسلحة صنعها الغير ، واشتريت بأموال البترول .. اين الحكمة واين البصيرة واين الاستراتيجية في عالم اليوم ؟..ان الابقاء على الاحتفالات العسكرية في مثل هذه المناسبات النادرة العزيزة على كل واحد منا ،  يعني اننا مازلنا لم نستوعب الدرس، ولم نفهم واقعنا لاننا مازلنافي كهوف التاريخ ، نحن الى عسكرة المجتمع والدولة ، في حين بيان اول نوفمبر كان واضحا و صريحا ،اذاكد على ان الثورة المسلحة  وسيلة وليست غاية ، وما لجوؤها الى السلاح الا لطرد المستعمر ، لتحقيق الاهداف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية ..وكان الاجدر اليوم ، بعد خمسين سنة من عيد الثورة ،ان يبرهن  جيل الثورة على صدق نواياه ويثبت للجيل الجديد ان ماوعد به لم يتحقق على ارض الواقع ..ويسلم مشعله الى الايدي الشابة ويرجع الى كهف التاريخ ..حيث يستريح الى الابد.. ..ان تاريخ الجزائر لايبدأ سنة احتلال فرنسا لبلادنا ، ولايبدأ يوم قررهؤلاء مقاومتها واخراجها بالقوة ، ولايبدأ وينتهي عند حكم زعيم قبيلة اوجهة ، ان تاريخنا ضارب في القدم وهؤلاء الذين يحتكرونه يصنعون به في كل مرحلة الاعاجيب .. علينا اليوم ان نكف عن تكريس دور العسكري والرفع من شأنه ، وتهميش المثقف والحط من قيمته ..ونوقف المجازر التي تطال المثقفين في كل مرحلة من مراحل البلاد الحرجة .. ثم اعادة الاعتبار الى الامير عبد القادر ، باقامة تمثال له ، يكون جالسا على حصير وبين يديه كتاب المواقف ،يضاهي التمثال الذي يمتطي فرسا وفي يده السيف ..

 اما آن لنا ان ننزل قليلا من على صهوة فروسيتنا ونحرق سيوفنا الخشبية ونجلس لحظة صفاء مع النفس ووالعالم والكون ونقرأ تاريخنا الاتي بدل التاريخ التليد ..